رفح

رفح التي تمد جناحين من الوجع من الألم والأمل بين ضفتيها اللتين تحتضنان آمالاً واسعة تجمع لا تفرّق. رفح تلك المدينة الحدودية التي اشتهرت بأنها مدينة الأنفاق، الأنفاق التي كانت شريان الحياة لقطاع غزة وللحركة التجارية والإنسانية، رفح التي احتضنها بحر غزة بدفء على أمل الخلاص والحرية، الآن رفح تنوء تحت وقع لجوء مليون ونصف المليون من المهجرين من قطاع غزة المنكوب، الذين لجأوا إلى رفح هرباً من جحيم القتل الصهيوني العشوائي الجماعي الهمجي، حملوا أرواحهم وأطفالهم باحثين عن نجاةٍ مؤقتةٍ في رفح، الآن رفح تضم أكبر معتقل مفتوح في العالم وأكبر كثافة سكانية تتواجد على بقعة جغرافية، أناس مثلنا وربما أفضل منا وأكثر إنسانيةً وتحضراً وعلماً، أصبحوا يلتحفون العراء ويتدثرون البرد القارس في شوارع رفح، رفح التي طلب جيش الاحتلال من سكان غزة أن ينتقلوا إليها بذريعة النأي بأنفسهم من القتل والتدمير، الآن يدور الحديث عن إمكانية ارتكاب أفظع جرائم البشرية وأقبح الإبادات الجماعية، عبر تجميع المشردين المهجرين في مساحة ضيقة محددة، بحيث إن أي قصف أو أية قذيفة تلقى عليهم سينتج عنها مقتل الآلاف وربما عشرات الآلاف بدمٍ باردٍ وبلا أدنى رحمة وشفقة على أرواح المسالمين المستأمنين الذين رضخوا وأذعنوا لمطالب الكيان الصهيوني بأن لجوءهم إلى رفح سيحقن دماءهم. بعد توقيع اتفاقيات كامب ديفيد استعادت مصر سيناء ووضعت أسلاكا شائكة لتفصل «رفح سيناء» عن «رفح الأم» وتعد مدينة رفح من المدن التاريخية القديمة؛ فقد أُنشئت قبل خمسة آلاف سنة وغزتها معظم الحضارات القديمة مثل الفراعنة والآشوريين والإغريق والرومان.وهي مدينة فلسطينية حدودية، وتقع في أقصى جنوب قطاع غزة، وتبعد عن القدس حوالي 107 كم إلى الجنوب الغربي. وتعتبر المدينة أكبر مدن القطاع على الحدود المصرية، حيث تبلغ مساحتها 55 كم2، ويقسم سكان رفح إلى قسمين: القسم الأول هم سكان رفح الأصليون، والثاني هم لاجئون هاجروا إثر نكبة فلسطين عام 1948.يعود معظم سكان رفح في أصولهم إلى مدينة خانيونس وإلى بدو صحراء النقب وصحراء سيناء، ثم أضيف إليهم اللاجئون الفلسطينيون الذين قدموا إلى رفح بعد النكبة في عام 1948م، وترجع أصولهم إلى مختلف قرى ومدن فلسطين المحتلة خاصة التي كانت تابعة لقضاء غزة. وحسب تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني لعام 2006، كان عدد سكان رفح 71 ألف نسمة، وبحسب إحصاء عام 2022، فقد بلغ تعداد سكانها نحو 300 ألف نسمة.وقد مرت رفح بأحداث تاريخية هامة منذ العصور القديمة وذلك لتميز موقعها الذي يعتبر البوابة الفاصلة بين مصر والشام، بين قارتي آسيا وإفريقيا. في عام 1948 دخل الجيش المصري رفح وبقيت تحت الإدارة المصرية إلى أن احتلها الإسرائيليون في عام 1956 ثم عادت للإدارة المصرية عام 1957 حتى عام 1967 حيث احتلت من جديد. وبعد توقيع اتفاقيات كامب ديفيد استعادت مصر سيناء ووضعت أسلاكا شائكة لتفصل «رفح سيناء» عن رفح الأم. وتقدر مساحة ما ضم إلى الجانب المصري حوالي 4000 دونم وبقي من مساحة أراضيها 55000 دونم اقتطع منها حوالي 3500 دونم للمستوطنات. رغم أنه من المفترض أن تكون مدينة رفح من «الأماكن الآمنة» للمدنيين في قطاع غزة، خاصة بعد أن دعا الجيش الإسرائيلي السكان في المناطق الشمالية، البالغ عددهم نحو 1.1 مليون نسمة، إلى النزوح جنوبا، فإنها تتعرض لقصف متواصل. بدلا من مخيم رفح للاجئين الذي كان موجوداً قبل بداية العدوان الأخير، تحولت رفح بالكامل إلى ما يشبة مخيما كبيراً للاجئين. رفح التي أخذت شهرتها من معبرها ومن أنفاقها، أصبحت الآن مساحة احتجاز لمئات الآلاف من الفلسطينيين العالقين على خيوط الوجع والأمل. رفح تكاد أن تأخذ شكل أكبر معتقل لتجمع بشري.