هل سيعمق «بريكس» جراحات الاقتصاد الأميركي؟

انشغلت الولايات المتحدة منذ عامين في تمويل حربين أضرتا كثيراً بالإقتصاد العالمي بشكل عام, وباقتصاد الولايات المتحدة بشكل خاص في ظل تداعيات جائحة كورونا السابقة التي أرهقت الإقتصاد الأميركي, حيث أنفقت الولايات المتحدة إلى الآن على الحربين قرابة 200 مليار دولار, في ظل مديونية أمريكية تجاوزت 34 ترليون دولار, ولا يزال «الفيدرالي الأميركي» يحاول التغلب على المشاكل الإقتصادية التي نجمت عن ذلك حيث دخل الإقتصاد الأميركي في نفق مظلم, في ظل تضخم غير مسيطر عليه بالطريقة الصحيحة وبعيد كل البُعد عن المستهدف 2%.
إن دعم الولايات المتحدة لأوكرانيا في الحرب الروسية- الأوكرانية, ومحاولة الولايات المتحدة التأثير على روسيا اقتصادياً أتت بنتائج عكسية على أوروبا وعلى الولايات المتحدة، من خلال فرض عقوبات على روسيا تجاوزت 17 ألف عقوبة معظمها اقتصادية, وحجز نصف أصول روسيا الخارجية والتي تُقدر ب300 مليار دولار, كان الرد من مجموعة بريكس وعلى رأسها روسيا والصين سريعاً, حيث قامت الصين بتخفيض تدريجي لأُذونات أسهم الخزانة الأميركية حتى أصبحت نهاية العام الماضي أقل من 750 مليار دولار, بعد أن تجاوزت 1000 مليار قبل حرب أوكرانيا, وكذلك انخفضت الاستثمارات الصينية في الولايات المتحدة من 189 مليار دولار على أساس سنوي الى 15 مليار دولار في عام 2023, أما بالنسبة لروسيا فقط جاءت نتائج العقوبات الإقتصادية عكسية على الغرب, حيث سيحقق الناتج المحلي الإجمالي GDP هذا العام زيادة بنسبة 2.6% وذلك حسب توقعات البنك الدولي IMF, بعد أن عظمت روسيا من تعاونها الإقتصادي مع دول مجموعة بريكس.
كل ذلك الفشل الغربي في حرب أوكرانيا, لم يمنعهم من خوض حرب ثانية من خلال دعم إسرائيل المطلق منذ أربعة شهور في حربها على الفلسطينيين في غزة للقضاء عليهم بأسرع وقت ممكن, لدفع عجلة الإقتصاد الغربي والبدء بالمشاريع المستقبلية لمنافسة دول بريكس وعلى رأسها الصين, فكانت النتائج عكسية أيضاً من الناحية الإقتصادية التي أثرت على الإقتصاد الغربي, حيث دخلت في مستنقع أثر على الغرب إقتصادياً وسياسياً بعد أن ورطتهم إسرائيل في توسيع جبهة الحرب, وعدم تحقيق النتائج التي قامت من أجلها إسرائيل بهذا العدوان والإضرار بسمعة الغرب السياسية والإقتصادية.
على الجانب الآخر بدأت مجموعة بريكس بداية هذا العام بالتمدد وذلك بإنضمام الأعضاء الجُدد لها وهم السعودية والإمارات ومصر وإثيوبيا وإيران, لتُطلق الصين بعدها تصريحات نارية بدعم التخلص العالمي من الدولار عام 2024, حيث أن تجارة الصين التي تتعامل بالعملة المحلية اليوان أصبحت النصف, وكذلك التصريحات الروسية بأن 85% من تعاملاتها التجارية ستصبح بالعملات المحلية للدول التي تتعامل معها هذا العام, وستتعمق أيضاً التبادلات النفطية بغير الدولار بعد إنضمام الدول الخمسة الى مجموعة بريكس, والتي ستُشكل مجتمعة قرابة نصف التعاملات النفطية العالمية بـ47%.
إن تمدد «بريكس» ومحاولة التخلص من هيمنة الدولار العالمية في التبادلات التجارية وخصوصاً النفطية من خلال التعامل بالعملات الخاصة بدول مجموعة بريكس, سيؤثر على الإقتصاد الأميركي ويضعفه حيث سيقل الاحتياط العالمي من الدولار الى أقل من 50% خلال هذا العام، مما يجعل الدولار يتداول في داخل أوروبا والغرب فقط ويصبح أكثر ضُعفاً وسيتفاقم التضخم نتيجة تأثر كل من القطاعات التالية:
التعاملات البنكية/ التعاملات المالية/ السلع الإستهلاكية والتجزئة/ التبادلات التجارية الدولية/شراء المواد الخام/ الاستثمارات/السياحة/ التكنولوجيا.
إذن الحربان اللذان دخلهما الغرب سببا الإضرار بمصالحه الإقتصادية, وتبين لدول العالم أن الغرب لن يكون حليفاً اقتصادياً موثوقاً لأي دولة للتجاوزات المختلفة والكيل بمكيال واحد لما يتناسب مع مصالح الغرب ومصالح حلفائه, مما دفع دول العالم للتهافت للإنضمام لمجموعة بريكس, مع وجود 34 دولة قدمت طلبات للانضمام لهذه المجموعة, حيث كان الأجدر من الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة حل المشاكل المسببة لهذه الحروب بالطرق السلمية, ومد جسور التعاون الاقتصادية مع دول العالم، وخصوصاً المنافسة لها كي لا يتم إقصاؤها في المستقبل القريب