د.ماجد الخواجا : الوعي الرقمي

لقد تطور العالم بشكل لم يتوقعه عقل بشري مهما كان ذاك العقل مبدعاً في التنبؤ بالمستقبليات، فهذا الذكاء الاصطناعي يكاد يطغى ويهيمن على مختلف مفاصل المجتمع ومجالاته بالغة الدقة والتعقيد.

  إن تطور الإعلام الرقمي الهائل أتاح للمستخدمين خيارات كبيرة وإمكانات لم تتوفر عبر التاريخ البشري بأن يستطيع الفرد بذاته ولوحده التعبير عن فكر، رأي، اتجاه، توجيه، تحريض، تنمّر، تجييش، ونشر ذلك بأسرع من لمح البصر ومن أي مكان وفي أي وقت وأي ظرف ولأي مستهدفين في العالم أجمع. وهذه التقنيات بقدر ما هي متاحة للنشاط الإنساني العام، فهي أيضاً متاحة للشرّ الإنساني المتجسد في الجرائم الإلكترونية وفي الإرهاب الإلكتروني. نتج عن التطور التقني أنماط جديدة في الإعلام أخذت مسميات من قبيل الإعلام الجديد أو البديل أو الاجتماعي أو الرقمي أو الافتراضي أو التفاعلي، وهي كلها تعني استخدام الإنترنت في استقبال وإرسال أي محتوى أو نشاط اتصالي عبرها. ومما يتسم به هذا الإعلام الرقمي أنه سريع الانتشار ويصل إلى أكبر عديد من الجماهير أو المتلقين، ويتم التفاعل المباشر مع المادة ويمكن إعادة نشرها وحفظها بطرق رقمية متعددة. هذا التطور أتاح للأفراد مهما كان مستواهم الاجتماعي والاقتصادي والمهني أن يستخدموا الإنترنت والتفاعل مع محتوياته بلا تزامن ومن أي مكان وبأية هوية افتراضية. الإعلام الرقمي هو الخيار الإنساني المذهل القادم بقوة والذي سينسف كثيراً من المسلمات والممارسات المتعارف عليها، سيكون الأداة الفاعلة في التغيير والتوجيه والتأثير. ربما قريباً وعبر تقنيات الذكاء الاصطناعي سنشهد نوعاً من الوعي الآلي الذي قد ينتج أفكاراً أو توجهات أو ممارسات شبيهة بالفكر الإنساني تماماً. يكشف الصعود المذهل للبرنامج شغف الناس لإنتاج آلات شبيهة بالبشر، وقد تنتج فكراً وفلسفات ورؤى وغايات واستراتيجيات وخطط تغطي كافة المجالات المجتمعية، قد نعيد النظر في طرق وأساليب وأدوات تقديم المعارف والمهارات والاتجاهات والقيم، وقد يصبح الروبوت بمثابة الرقيب أو المخبر الصادق للعابثين والإرهابيين بحيث يمكنه اصطيادهم واقتفاء أثرهم، والأخطر أن يصير الروبوت هو الإرهابي السيبراني الآلي. هل يمكن أن يخرج عن سيطرة الإنسان كما نشاهد في بعض أفلام الخيال العلمي ويصبح له إرادته ورغباته؟ هل سنرى جيلا من الروبوتات التي تحاكي العقل البشري بتوليد الأفكار مما تختزنه من بيانات تستطيع القيام بعمليات عقلية عليا تتضمن ما بعد التحليل إلى التركيب والتقويم فتنتج معرفة جديدة. اكتسبت العلاقة بين التكنولوجيا والإرهاب أبعاداً جديدة في ظل تطبيقات العصر الرقمي، والتي على الرغم من حياديتها، إلا أنها أخذت طابع ونمط استخدامها من ثقافة المستخدم وبيئته. من هنا حدثت المزاوجة بين الرقمنة والإرهاب السيبراني. في أحدث حوار أدلى به العالم البريطاني مؤسس شبكة الإنترنت « تيم بيرنرز لي» اعتبر فيه أن جزءاً من توقعاته عن هذه الشبكة قد تحقق، لكنه تحدث عن ثلاث ظواهر اعتبرها بمثابة تحديات يجب التغلب عليها بسرعة: الأول» حماية المعطيات الشخصية للأفراد، إذ إن أغلب مواقع الإنترنت، تستغل خدماتها للاستيلاء على معلومات شخصية بعلم الشخص أو من دون علمه. وذلك قد يُستعمل في مراقبة المواطنين وانتهاك خصوصياتهم. أما التحدي الثاني فيتمثل بسهولة نشر المعلومات الكاذبة والخاطئة على الإنترنت، وخصوصا عبر الولوج إلى العديد من مواقع التواصل الاجتماعي ومحركات البحث التي من الصعب التأكد من صدقيتها ومصادر معلوماتها. التحدي الثالث يشمل الدعاية السياسية على الإنترنت تحتاج إلى مزيد من الشفافية لتفادي التحكم في الآراء وتكوين جيل يستهلك ولا يفكر.
جميع الحقوق محفوظة.
لا يجوز استخدام أي مادة من مواد هذا الموقع أو نسخها أو إعادة نشرها أو نقلها كليا أو جزئيا دون الحصول على إذن خطي من الناشر تحت طائلة المسائلة القانونية.