(107) أيام من الحرب على غزة.. ماذا فعل الملك وكيف تحركت الأردن؟

مع دخول الحرب على غزة شهرها الرابع وبعد مرور أزيد عن مائة يوم وزيادة وارتقاء نحو خمسة عشرين ألف شهيد إلى علياء الله، يمكننا القول إن الموقف الأردني الذي قاده جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين كان موقفًا مشرّفًا وظّف جلالته خلاله وفي كافة تحركاته السياسية والدبلوماسية والإنسانية، حجم حضوره الدولي والعالمي المؤثر لقيام المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته الإنسانية والأخلاقية من أجل الضغط على إسرائيل لإيقاف الاعتداءات الهمجية على الأهل وخاصة المدنيين والشيوخ والاطفال في قطاع غزة.
وقبيل عرض (حصاد) جهود المملكة الأردنية الهاشمية بقيادة جلالة الملك، لا بد من الإشارة إلى أن إلى جملة الحقائق التي شكلت جوهر موقف جلالته إذ ان النظرة الإنسانية لجلالته كانت العلامة الفارقة التي تميزت بها كافة تحركاته لوقف العدوان وحقن دماء الأبرياء، كما أن الجهد المتقدم لجلالته قد نجح باستصدار قرار أممي يدعو لوقف إطلاق النار في غزة وهدنة إنسانية مستدامة، ثم إن جلالته طالب المجتمع الدولي بإدانة استهداف المدنيين والتحرك الفوري لإيقاف دوّامة العنف في غزة، كما أنه أول من حذّر من تفاقم الوضع الإنساني في غزة، ومن تبعات ظلم الفلسطينيين وحرمانهم من حصولهم على حقوقهم كاملة في الماء والغذاء والدواء والكهرباء، ودون انقطاع.
إذا أردنا أن نقف إلى جانب الصواب والحكمة والحقيقة، وإذا ما عدنا إلى الوراء سنوات مضت، وبالدقة منذ تسلم جلالة الملك سلطاته الدستورية، يصبح من غير الانصاف القول إن تحركات جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين لوقف العدوان الإسرائيلي على غزة، قد بدأت في السابع من تشرين الأول من العام 2023 (أول يوم للحرب بشكل فعلي)، فالقواسم مشتركة والموقف واحد، وتحذيرات جلالة الملك من مغبة تفاقم الأوضاع في غزة والأراضي الفلسطينية، ودعواته لوقف إجراءات التصعيد وبناء المستوطنات التي تقوم بها إسرائيل منذ زمن، كانت على الدوام محط اهتمامه بل إنها شكلت أبرز ثوابت خطابه السياسي ونداءاته المتكررة للعالم والمجتمع الدولي بالتحرك الفوري والعاجل لئلا تدخل المنطقة في منزلق خطير الخروج منه في غاية التعقيد وهو ما تم بالفعل.
بدأ العدوان على غزة في السابع من تشرين الأول 2023، وهبّ جلالة الملك عبدالله الثاني ولم يغمض له جفن، وقام بجولات عربية وإقليمية وعالمية واستقبل والتقى ملوكًا ورؤساء دول وقادة عسكريين ورجال دين إسلامي ومسيحي وقادة رأي ومفكرين وإعلاميين مما يؤكد إنه كان وما انفك يعمل على مدار الساعة لحقن دماء الفلسطينيين.
في جميع تلك التحركات السياسية والدبلوماسية تركز جهد جلالته على أكثر من ناحية كان أبرزها:
– وقف فوري للحرب على غزة، والإبقاء على كافة وسائل وسبل استدامة إيصال المساعدات للأهل هناك.
– مطالبة المجتمع الدولي بتحمّل مسؤولياته وإرغام إسرائيل على عدم استهداف البنى التحتية للمدنيين في غزة، والحرمان المتعمد للسكان من الغذاء، والمياه، والكهرباء، والوقود.
– حماية المدنيين من كافة أشكال وخطوات التهجير القسري للفلسطينيين من أراضيهم أو القيام بإجراءات تجبرهم على النزوح.
– التحذير من أن أي عمل عسكري بري سيؤدي إلى تدهور الوضع الإنساني أكثر مما هو عليه.
– الملك هو القائد العربي الذي ذكّر المجتمع الدولي والعالم بقواعد الاشتباك في الإسلام التي تُحرّم قتل النساء والأطفال والشيوخ، وترفض الاعتداء على المساجد والكنائس والمستشفيات ومراكز الإيواء، وأن النبي الهاشمي محمد هو من أوصى جنده بألا يقطع أي منهم جذع شجرة على قارعة الطريق.
– الملك وصف قصف المستشفى المعمداني في غزة بأنه كان جريمة حرب بشعة بحق المدنيين الأبرياء والمصابين والمرضى الذين كانوا يتلقون العلاج.
– الملك طالب بشدة بأهمية عدم إعاقة عمل المنظمات الدولية أثناء تأدية واجباتها الإنسانية في غزة، وإيصال المساعدات الطبية والإغاثية للقطاع.
مما سبق يمكن القول بأن السياسة الأردنية التي ينتهجها جلالة الملك تعد تعبيرًا حيًا عن أهمية دور المملكة الأردنية الهاشمية في المنطقة العربية والإقليم وعلى مستوى العالم، وتجسيدًا حيويًا لوحدة الشعبين الأردني والفلسطيني.
وتاليًا أربعة من أبرز مؤشرات وحقائق الموقف الأردني بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني:
– إصرار جلالة الملك وتمسكه بمواقفه المعلنة بكل وضوح وصراحة وشفافية، والمتمثلة أساسًا في ضرورة التوصل إلى حل سلمي وانهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على أساس حل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على التراب الوطني الفلسطيني على حدود الرابع من حزيران (1967) وعاصمتها القدس، وهذا يؤكد سعي جلالة الملك نحو ضرورة إيجاد أفق سياسي يضمن تلبية جميع الحقوق المشروعة والعادلة للأشقاء الفلسطينيين.
– تمسك جلالة الملك بموقفه المتشدد على أن ما يجري في غزة من عمليات عسكرية إنما يعد عدوانًا عسكريًا ضد الشعب المدني الواقع تحت الاحتلال.
– إنزال طائرة مساعدات طبية للمستشفى الأردني في غزة لتمثل رسالة هامة ودلالة عميقة تحمل في ثناياها أن الأردن لا يمكن أن يترك الشعب الفلسطيني يموت جوعا ومرضا وأن قضيته ما زالت بالنسبة له القضية الأولى والمركزية فهي إشارة أيضا للاحتلال أن الأردن قادر على الفعل وليس مجرد المناشدة والمطالبة.
– سحب السفير الأردني من تل أبيب، تعبيرًا عن رفض الأردن للحرب.
– إصرار جلالة الملك على إبقاء المستشفى الأردني الميداني الذي يعمل في القطاع منذ العام 2008، وتزويده بكل ما يلزم للقيام بدوره اتجاه الأهل في قطاع غزة رغم صعوبة الظروف المحيطة، مع التأكيد على استمرار جلالته بدعم بقاء المستشفى حتى بعد تعرض محيطه للقصف وإصابة مجموعة من طواقمه في الخامس عشر من تشرين الثاني الماضي 2023، وفي العشرين من تشرين الثاني 2023 وجّه جلالة الملك إلى تجهيز مستشفى ميداني/2 من أجل تقديم خدماته الطبية والعلاجية للفلسطينيين في «خان يونس» وأشرف سمو الأمير الحسين ولي العهد على عملية التجهيز كاملة، الأمر الذي أكد عمق التضامن الأردني مع الفلسطينيين، وان الأردن بكل ما يملك من طاقة يواصل تقديم الدعم على مختلف المستويات.
لم تتوقف جهود جلالة الملك عبدالله الثاني وتحركاته واتصالاته السياسية والدبلوماسية مع قادة دول العالم من أجل وقف الحرب، ولقد تمكنت الدبلوماسية الأردنية بقيادة جلالته من صياغة خطاب سياسي شكل رافعة مهمة لتوضيح حقيقة الحدث ومعناه أمام المجتمعات الغربية، فكان خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني الركيزة الأولى التي بنت عليها الدبلوماسية الأردنية رسائلها سواء في الأمم المتحدة، أو في المحافل الدولية الأخرى.
خطاب العرش السامي
في الحادي عشر من تشرين الأول 2023 ألقى جلالة الملك خطاب العرش السامي الذي افتتح به أعمال الدورة العادية الثالثة لمجلس الأمة التاسع عشر، وحمل الخطاب بيانًا أردنيًا هاشميًا واضحًا في كل مفرداته، إذ انصب تركيز جلالته وفيما يخص فلطسين وحرب غزة تحديدًا، على جانبين:
– أن الحديث عن الأمن والسلام لن يؤتي أكله إلا بالحل القائم على أساس حل الدولتين، وأقتبس قول جلالته (إن ما تشهده الأراضي الفلسطينية حاليًا من تصعيد خطير وأعمال عنف وعدوان ما هي إلا دليل يؤكد مجددًا أن منطقتنا لن تنعم بالأمن والاستقرار دون تحقيق السلام العادل والشامل على أساس حل الدولتين، ليحصل الشعب الفلسطيني على دولته المستقلة ذات السيادة على خطوط الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وتنتهي دوامات القتل التي يدفع ثمنها المدنيون الأبرياء).
– تأكيد جلالته على موقف الأردن الراسخ في الدفاع عن المقدسات الإسلامية والمسيحية، حيث قال في هذا الصدد (ولن نتخلى عن دورنا مهما بلغت التحديات، في سبيل الدفاع عن المقدسات الإسلامية والمسيحية بالقدس، والحفاظ عليها من منطلق الوصاية الهاشمية.
قمة القاهرة للسلام 21 تشرين الأول 2023
في الحادي والعشرين من تشرين الأول 2023 شارك جلالة الملك في قمة القاهرة للسلام، وألقى خطابًا شاملًا حذّر فيه من تدهور الوضع الإنساني في غزة حال حصول أي عمل عسكري بري، كما حدد جلالته ثلاث أولويات في خطابه كانت على النحو التالي:
– أولا: الوقف الفوري للحرب على غزة، وحماية المدنيين، وتبني موقف موحد يدين استهدافهم من الجانبين، انسجامًا مع قيمنا المشتركة والقانون الدولي، الذي يفقد كل قيمته إذا تم تنفيذه بشكل انتقائي.
– ثانيا: إيصال المساعدات الإنسانية والوقود والغذاء والدواء بشكل مستدام ودون انقطاع إلى قطاع غزة.
– ثالثا: الرفض القاطع للتهجير القسري للفلسطينيين أو التسبب بنزوحهم، فهذه جريمة حرب وفقا للقانون الدولي، وخط أحمر بالنسبة لنا جميعًا.
القمة العربية الإسلامية المشتركة غير العادية حول غزة/ الرياض 11 تشرين الثاني 2023
في الحادي عشر من تشرين الثاني 2023 شارك جلالة الملك في القمة العربية الإسلامية المشتركة غير العادية حول غزة التي استضافتها المملكة العربية السعودية في الرياض، وكان وقتها قد مضى على الحرب خمسة وثلاثون يومًا، وألقى جلالته في القمة كلمة جامعة ومانعة حذّر فيها من اتساع تبعات الحرب التي ستشمل العالم كله عندما قال (إن العالم سيدفع ثمن الفشل في حل القضية الفلسطينية، ومعالجة المشكلة من جذورها)، الأمر الذي أعطى مؤشرًا فاحصًا وثاقبًا على دقة وحسن قراءة جلالته للمشهد بإمعان ومن مختلف جوانبه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية.
تحركات وجولات ملكية عربية وأوروبية
جولة الملك الأوروبية 14 تشرين الأول 2023
بتاريخ 14 تشرين الأول 2023 غادر جلالة الملك أرض الوطن في جولة أوروبية لحشد موقف دولي لوقف الحرب على غزة، اشتملت بريطانيا وإيطاليا وألمانيا وفرنسا، واستمرت الزيارة ثلاثة أيام حتى 17 تشرين الأول، وتصدرت جدول أعمالها، الأوضاع الخطيرة والمتدهورة في غزة، وضرورة تسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى الأشقاء الفلسطينيين، وخلال فترة الجولة التقى جلالته بكل من: رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، والرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير، والمستشار الألماني أولافشولتس، كما عقد جلالته لقاء مع رؤساء كتل ولجان برلمانية ورؤساء وممثلي مؤسسات ومراكز أبحاث ألمانية، استضافته مؤسسة فريدريش إيبرت الألمانية،
جولة الملك العربية 1 تشرين الثاني 2023
بتاريخ 1 تشرين الثاني 2023 قام جلالة الملك بجولة عربية زار خلالها دولة الإمارات العربية المتحدة، ومملكة البحرين، ودولة قطر، والتقى خلال الزيارة بسمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، وجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البحرين، وسمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر.
وخلال تلك اللقاءات دعا جلالته ورؤساء الدول الثلاث، المجتمع الدولي للقيام بواجبه والضغط للوقف الفوري لإطلاق النار في قطاع غزة، وإلى ضرورة نيل الأشقاء الفلسطينيين حقوقهم المشروعة، وقيام دولتهم المستقلة على خطوط الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، والتأكيد على ضرورة تجنيب المنطقة تبعات دوامة عنف جديدة والعمل على إيجاد أفق سياسي واضح للسلام العادل والشامل والمستدام على أساس حل الدولتين.
زيارة جلالة الملك عبدالله الثاني الى بروكسل (6 – 7 تشرين الثاني 2023)
بتاريخ (6 – 7 تشرين الثاني 2023) وفي إطار جهوده الدولية الرامية إلى إيقاف الحرب على الفلسطينيين في غزة، قام جلالة الملك بزيارة إلى بروكسل، بحث خلالها مع قيادات الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو) وحكومة بلجيكا سبل إنهاء الحرب ووضع حد لدوامة العنف الدائرة في غزة، والتقى جلالته بكل من:
-جلالة الملك فيليب، ملك مملكة بلجيكا.
-رئيس وزراء بلجيكا ألكسندر دي كرو.
– رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل.
– رئيسة البرلمان الأوروبي روبرتاميتسولا.
-رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين.
– ينس ستولتنبرغ أمين عام منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) وأعضاء مجلس شمال الأطلسي.
وتركزت مباحثات جلالته في الأمور التالية:
– التأكيد على أن حل القضية الفلسطينية ليس أمنيًا ولا عسكريًا، وأن السبيل الوحيد للاستقرار بالمنطقة هو العمل من أجل تحقيق سلام عادل وشامل على أساس حل الدولتين.
– التأكيد على ضرورة تأمين سبل تقديم الدعم الإنساني لغزة والتخفيف من معاناة الأطفال والمصابين جراء الحرب، والتأكيد على ضرورة احترام القانون الدولي الإنساني وحماية المدنيين.
– التأكيد على أهمية احترام القانون الدولي الإنساني، وضمان إيصال المساعدات الإغاثية والدوائية إلى قطاع غزة ودعم المنظمات الدولية العاملة هناك.
– التأكيد على ضرورة العمل على وقف الحرب فورًا، ودعوة المجتمع الدولي إلى التحرك من أجل الضغط على إسرائيل لوقف الحرب على غزة، والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية بشكل دائم.
– رفض جلالته لإجراءات إسرائيل وانتهاكاتها المستمرة في القدس الشريف، بصفتها القوة القائمة بالاحتلال، والتي تؤثر على حرية المصلين في المسجد الأقصى المبارك وتضع قيودًا عليهم وتمنعهم من ممارسة شعائرهم الدينية.
مقالة الملك في الواشنطن بوست (حل الدولتين انتصار لإنسانيتنا المشتركة)
في الرابع عشر من تشرين الثاني 2023 نشرت صحيفة الواشنطن بوست مقالة كتبها جلالة الملك بعنوان (حل الدولتين انتصار لإنسانيتنا المشتركة)، أعاد فيه التأكيد على ما يراه أفقًا واضحًا وواحدًا لا يمكن القبول بغيره ليفضي إلى حل سلمي ووضع حد للصراع الفلسطيني الإسرائيلي والخروج من دوامة العنف قبل الوصول إلى لحظة لا ينفع فيها الندم على ما فات قبل أن (نصل إلى نقطة الانهيار الأخلاقي لنا جميعًا) على حد قول جلالته.
وعليه، فإن نشر مقالة في صحيفة واسعة الانتشار على مستوى العالم بحجم الواشنطن بوست، هي رسالة ملك عربي هاشمي يوازن الأمور بمقاييس إنسانية وأخلاقية وقيمية تسمو بنظره على ما سواها من مفاهيم واعتبارات، فالملك يرفض ومن كافة الزوايا قتل الأبرياء ويدين أعمال العنف ويشجب الاعتداء على المستشفيات، وبالتالي فإنه يؤمن بأن حقن الدماء وإيقاف النزاع والعمل من أجل تحقيق السلام هو الكفيل بتوفير الأمن والأمان، وأن الحلول الأمنية وحدها لن تضمن للإسرائيليين سلامتهم واستمرارهم في حياتهم كالمعتاد، وعليه يصبح السلام مصلحة لجميع الأطراف ولا بد من بذل كافة الجهود لتحقيقه لأن بديل ذلك كما يقول الملك هو المزيد من أعمال التطرف والانتقام والاضطهاد، ليس في المنطقة فحسب، بل في جميع أنحاء العالم.
(الملك يلتقي نخبة ممن رجالات الدولة): الحل العسكري لن ينجح
مثلما كان جلالة الملك يتحرك في إطار عربي ودولي لوقف الحرب، فإنه كان كعادته حريصًا على دعوة ولقاء رجالات الدولة ورجال الإعلام والصحافة، لتبيان معالم ومحددات الموقف الأردني الثابت، وفي ذلك نقرأ مضامين لقائه في قصر الحسينية مع رئيسي مجلسي الأعيان والنواب ورؤساء وزراء سابقين وسياسيين الذي تم في الثالث عشر من تشرين الثاني 2023، وفيه أكد جلالته على الحقائق التالية:
-وحدة الأراضي الفلسطينية ودعم السلطة الشرعية، والتأكيد على أن غزة يجب ألا تكون منفصلة عن باقي الأراضي الفلسطينية.
-وقف الحرب على غزة وإدخال المساعدات الكافية كأولوية قصوى.
-مطالبة المجتمع الدولي بوقف الكارثة الإنسانية في القطاع بشكل فوري احترامًا للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.
-التأكيد على أن ما تشهده غزة من عقاب جماعي وقتل للمدنيين وهدم كل المرافق الحيوية من مستشفيات ودور عبادة لا تقبله شرائع سماوية ولا قيم إنسانية.
لقاءات جلالة الملك في عمان، وجولاته العربية والدولية، واتصالاته المحلية والإقليمية والعالمية لوقف الحرب وإدانة التصعيد الإسرائيلي:
مما سبق يتضح أن جلالة الملك عبدالله الثاني لم يتوقف لحظة ومنذ بدء الحرب على غزة، وهو القائد الوحيد الذي يقوم بتوظيف المناسبات واللقاءات المحلية والإقليمية والعالمية ويتواصل مع قوى المجتمع الدولي من أجل الضغط على إسرائيل لوقف حربها على قطاع غزة، ولتكثيف الجهود الدولية لضمان وصول المساعدات الإنسانية بشكل مستدام إلى غزة، والتأكيد على أهمية دعم المنظمات الإغاثية الدولية العاملة في القطاع وعدم إعاقة عملها، فضلًا عما ظل جلالته متمسكًا به وإيمانه بضرورة إيجاد أفق سياسي لتحقيق السلام العادل والشامل على أساس حل الدولتين ونيل الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة، والتأكيد على أن الحلول العسكرية لن تجلب الأمن لإسرائيل، وترجمة لذلك فقد استقبل جلالته قيادات عربية وعالمية، كما أجرى وتلقى عشرات الاتصالات الهاتفية من قادة دول ورؤساء حكومات وممثلين لمجالس وبرلمانات عربية (زادت على المائة تحرك ملكي).
بهذا الأفق الملكي الأردني الواسع، نرى أن جلالة الملك قد كرس جل وقته على إسماع العالم صوت الحق والعدل، ما يؤكد حجم ما يتمتع بة جلالته من حصافة الرأي والخبرة السياسية والتمرس والتمسك بحلول المشكلات والقضايا المحلية والدولية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، الأمر الذي يؤهله لان يكون ذو دور بنّاء ومؤثر في إيجاد واقع جديد يحقق من خلاله الحلم الفلسطيني بالدولة المستقلة على التراب الوطني.
وأختتم بمقولة لجلالته ضمن خطابه في الجمعية العامة للأمم المتحدة وخلال اجتماع حوار الأديان في نيويورك في 12 تشرين الثاني 2008 حيث قال «ففي كل يوم يحرم فيه الفلسطينيون من العدالة، وفي كل يوم يحول فيه الاحتلال دون تحقيق مستقبل مشرق لهم، تتسع دائرة الصراع ويتفشى الكره والإحباط في المنطقة، بل وفي العالم بأسره. وفي ظل استمرار غياب العدالة، يتساءل الملايين، وخصوصًا الجيل الشاب، عما إذا كان الغرب يعني ما يقوله عن المساواة والاحترام والعدالة الشاملة، بينما يزداد المتطرفون–من المسلمين والمسيحيين واليهود–قوةً في بيئة الشك والفرقة الناجمة عن ذلك»