الحل ليس بالدولتين بل بالعودتين

غرّد ضاحي خلفان خارج السرب عبر منصة X بأنه ينبغي على المجتمع الدولية تبني فكرة ومصطلح « حل العودتين « بدلاً من «حل الدولتين» وأنه يجب أن يستخدم كحلٍّ نهائي وعادل للقضية الفلسطينية. هذا الطرح المتقدّم في ظل التخاذل الذي لم تشهده القضية الفلسطينية عبر تاريخها، هو طرح وإن بدا غير منطقي مع السائد، إلا أنه يعبر وبشكل موضوعي تماماً عن النهايات المنطقية للاحتلال الصهيوني الغاشم. على مر الزمن الفلسطيني تحت الاحتلال، كان هناك مسلمات أخذت شكل الالتزام الصارم بها وتبنيها والعمل على تحقيقها، كان الحديث عن الصراع العربي الصهيوني، ولم يتم استخدام مصطلح النزاع العربي الصهيوني والذي تقزّم ليصبح النزاع الفلسطيني الصهيوني، ثم انغلق على أن أصبح النزاع الغزّي الصهيوني. وانتفت صفة الصراع وصفة العروبة عنه. كان السائد هو أنه صراع لا نزاع، وأنه استعادة وتحرير لا تفاوض ولا تنازل ولا تسوية، وأنه تحرير الأرض من النهر إلى البحر، وأنه حق يتم توارثه جيلاً فجيل، وليس من حق أحدٍ أن يفاوض عليه، وأنه عودة مع تعويض كحق مقدس. ولا ننسى اللاءات الثلاث العربية الشهيرة التي صدرت عن مؤتمر القمة العربية في الخرطوم « لا صلح لا اعتراف لا تفاوض» وسميت حينها بقمة اللاءات الثلاث وكان ذلك امتصاصاً للنقمة الشعبية العربية إثر ما سميت بنكسة حزيران لعام 1967، ليعود الزمان في عام 2023 مع وزير خارجية الكيان الصهيوني إيلي كوهين، ومن الخرطوم بعد زيارته لها، عندما قال: لقد عدت بنعم ثلاث مرات، وكأنها رسالة عن دفن اللاءات الثلاث التي لم تتجاوز حبر الورقة التي كتبت عليها قبل عشرات السنين. لقد حاول الاحتلال عبر عقود الزمن التي أقام فيها كيانه المنطوي خلف جدران عازلة وقبّة من الحماية الفضائية وجنود مدججين بأحدث الأسلحة وقوانين عرفية قراقوشية تعفي القاتل الصهيوني سواء المستوطن منهم أم الجندي العامل أم الاحتياط من أية مساءلة عن أي فعل يقترفه ضد الفلسطينيين، ابتداءً من احتلال بيوتهم أو وضع اليد وبقوة السلاح على أراضيهم أو نهب محاصيلهم أو إهانة كبارهم أو إذلال نسائهم وأطفالهم، فهذه كلها ممارسات محمية ومصونة بقوانينهم. فهو لم يدع فكرة أو خطة أو مشروعا يفتت فيه الأرض والشعب الفلسطيني إلا وقام بتنفيذها، حتى أصبحت الخارطة عبارة عن شبكة متاهات عسكرية وعن جزرٍ معزولة عن بعضها، وعن تجمعات مغلقة على ساكنيها، وعن طرق التفافية وحواجز متناثرة ودائمة. لقد شوهو وجه فلسطين الطبيعي بمستوطناتهم وثكناتهم وحواجزهم وجدرانهم، كأنه قالها ذات قصيدة المرحوم الشاعر معين بسيسو عن الصهيوني الذي يسكن الدبابة. إن ما صدر عن خلفان هو عين الحقيقة بلا أدنى شك، فهذه الأرض لا تحتمل وجود فكرتين ومشروعين متناقضين تماماً، ثمة فرق كبير بين من يحرث الأرض ممتداً عبرها وفيها بأجداده، ومن جاء يحمل جوازين وجنسيتين وهويتين كسائح يقارن بين قرية جبع أو الظاهرية أو العباسية أو دير الغصون، وبين وارسو أو كييف أو لندن. نعم إنه حل العودتين لا حل الدولتين. د. ماجد الخواجا