الرحاحلة: الحكومة عاجزة عن استحداث وظائف للأردنيين بكثرة

انتقد مدير الضمان الاجتماعي السابق حازم الرحاحلة إنجازات الفريق الإقتصادي في الحكومة، خاصة بعد اعلان الحكومة عن نسب النمو والتي ترافقت مع حجم انخفاض المشتغلين من الأردنيين، والتي بلغت نسبة 1466 مشتغل في عام 2017 إلى 1419 في عام 2022 بنسبة انخفاض 3%.
وفيما يلي نص ما تطرق له الرحاحلة
 في السنوات الأخيرة، شهد الأردن عددا من المفارقات الاقتصادية والمالية التي تستجلب اهتمامنا وتستدعي حذرنا. فمفارقة حاضرة بين النمو الاقتصادي من جهة وتوظيف الأردنيين من جهة أخرى، وبين حجم العجز ومقدار الزيادة في المديونية، وغيرها من المفارقات العديدة التي تعجز عن تفسيرها كل النظريات الاقتصادية بمختلف مدارسها، وجميعها مؤشرات تؤطر لصورة مربكة للمشهد الاقتصادي.
فمعدلات نمو الاقتصاد الأردني، على الرغم من تواضعها مقارنة بالأقران الإقليميين، كانت إيجابية على مدار السنوات الأخيرة الماضية، باستثناء السنة الأولى للجائحة. ومع ذلك، فقد ترافق هذا النمو مع انخفاض متزامن في حجم المشتغلين من الأردنيين، ليس فقط بالمعدلات النسبية ولكن أيضًا بالأرقام المطلقة. حيث سجل انخفاضًا من نحو 1466 ألف مشتغل في عام 2017 الى نحو 1419 ألف مشتغل في عام 2022 أي بنسبة انخفاض بلغت نحو 3 %، في الوقت الذي بلغ فيه النمو الاقتصادي التراكمي خلال الفترة نفسها نحو 9 ٪
قد يكون التفسير الممكن لهذه المفارقة في تحقق زيادة ملحوظة في الإنتاجية، أي بمعنى أن إنتاجنا اليوم يتطلب قدرا أقل من العمالة. إلا أن غياب دلالات على وجود تغييرات هيكلية ينحّي هذه الفرضية جانبا ويثير الشكوك حول صحتها. ففي حين لا تتوفر بيانات عن تطور التكوين الرأسمالي الإجمالي في الحسابات القومية منذ عام 2016، الا ان بيانات المستوردات من السلع الرأسمالية تشير الى تراجعها منذ عام 2018 بمعدل 2.5 % سنويا
وقد يكون في فرضية استحواذ العمالة الأجنبية على فرص العمل المستحدثة وجانبا من الفرص القائمة تفسير للتناقص المرصود في أعداد المشتغلين الأردنيين، ولكن مسوحات فرص العمل المستحدثة تدحض هذه الفرضية. فوفقًا لهذه المسوحات، ما يزال الأردنيون يهيمنون على صافي فرص العمل المستحدثة، ما يجعل فرضية العمالة الأجنبية غير حاضرة
تبعات هذه المفارقة غير جلية أيضا على معدلات البطالة، التي لا زلنا نتعامل معها كأرقام صماء وأصبحنا نرصدها صعودا وأحيانا نزولا. ربما السؤال المحوري الذي يطرح نفسه هنا، كيف لمعدلات البطالة أن تراوح مستواها في حين أن حجم المشتغلين آخذ بالتراجع في السنوات الأخيرة، وفي ذات الوقت عشرات الآلاف من العاملين يدخلون سوق العمل سنويا؟ مرد ذلك يكمن بشكل أساسي في معدلات المشاركة الاقتصادية التي انخفضت بمقدار 6 نقاط مئوية تقريباً خلال الفترة الممتدة بين عامي 2017 و 2022، مما يشير إلى أن معدل البطالة الفعلي، في حال افترضنا ثبات المشاركة الاقتصادية على ما هي عليه في عام 2017، قد يصل إلى نحو 35 ٪. وانخفاض المشاركة ما هو إلا تعبير ضمني عن فقدان الأمل في الحصول على فرصة عمل، وهذا الاتجاه المحبط يعد مؤشرًا لا يقل أهمية في دلالته عن معدل البطالة. علما بأن ظاهرة تراجع المشاركة مستمرة في وتيرتها المتناقصة حتى الربع الثالث من العام الحالي
هناك سردية متناقضة أخرى تسوقها التطورات المعلن عنها في المالية العامة. فمؤشرات الميزانية العامة ترسم صورة وكأنها زاهية، في حين أن حجم الارتفاع في الدين العام يعكس واقعًا متناقضًا تمامًا. على سبيل المثال، بلغ عجز الحكومة المجمع (والذي يشمل عجز الموازنة وعجز الوحدات الحكومية بما فيها شركة الكهرباء الأردنية وسلطة المياه) حوالي 6.2 مليار دينار خلال الفترة 2020-2022.، في حين تؤكد بيانات أن رصيد الدين العام ارتفع خلال هذه الفترة بحوالي 8.4 مليار دينار، وهذا يؤكد بما لا يدع مجالا للشك بأن بيانات العجز المنشورة ما هي إلا بيانات منمّقة تظهر صورة مغايرة للواقع. وربما تصبح الصورة مقلقة أكثر إذا ما تمعنا في كيفية تمويل العجز الذي كان الجانب الأكبر منه بالقروض الخارجية، الذي على الرغم من دعمه الآني لاحتياطيات المملكة من العملات الأجنبية، إلا أنها سترهقها حتما في خدمتها وعند قدوم آجالها. وتشكل تحديا كامنا أيضا إذا ما علمنا أنها ركزت على الاقتراض طويل الأجل خلال الفترة التي تشهد فيها الأسواق المحلية والدولية ارتفاعات كبيرة في أسعار الفائدة، وكان من المعلوم لأي مراقب اقتصادي أن هذه الارتفاعات مرحلية وستأخذ منحنى تنازليا بعد ظهور إشارات لتراجع معدل التضخم في الولايات المتحدة
تسلط هذه المفارقات الاقتصادية والمالية الضوء على مكمنين من الثغرات، الأول في انتقائية تناول المؤشرات التي تفضي إلى سراب الإنجازات، والثاني في سياسات ترحيل التحديات إلى تحديات أكبر في المستقبل. ولتفادي هذه الإشكاليات والمفارقات، يتوجب على صانعي السياسات والاقتصاديين والمراقبين التصدي لأسئلة معقدة، والالتفات بداية الى مجموعة من المؤشرات بصورة شمولية ومن ثم التفكير بمعالجات لا هي مخدرة ولا هي آنية، بل معالجات هيكلية تحاكي التحديات بشكلها العميق لا بظاهرها المزين