بأي حال عدت يا عيد!

وصلتني رسالة على هاتفي من أحد الإعلاميين في غزة، من المقيمين بإحدى الكنائس لمدة تجاوزت الثلاثة أشهر، يتمنى لي ولعائلتي عاما جديدا مليئا بالخير، متمنيا مني الدعاء له ومرافقيه في الكنيسة الدعاء والصلاة بسلام يعمّ أيامهم، وزوال المعاناة التي يعيشونها ووقف الحرب التي لا يمكن وصفها إلاّ أنها حرب إبادة لم تقف أمام طفل أو امرأة أو مسنّ، كما لم تحمي مسجدا أو كنيسة.رسالة زميلي «فيليب» جعلتني أتساءل، بأي حال عدت يا عيد، بأي وجع وألم عاد عيد الميلاد المجيد، الذي لم يحمل للأهل في غزة أي شكل من أشكال العيد، فخلى عيدهم من الشجرة، ومن بابا نويل، ومن الهدايا، ومن ضحكات الأطفال، ومن رائحة القهوة، وطعم الحلوى، ليكون يوما عاديا تملؤه الأوجاع والآهات، وويلات الحرب، والدمار الذي يحيط بهم من جميع الجهات، بما فيها الكنائس، ليحضر العيد في غزة بنكهة المرار، ورائحة الدماء، ووجع الفراق لمن بقي منهم على قيد الحياة.اليوم يحتفل مسيحيو العالم بعيد الميلاد المجيد، تزدان حياتهم وبيوتهم بعيد غير مكتمل هذا العام، فلا احد يمكنه الفرح وهو يرى ويتابع ويسمع بما يحدث في غزة، فما يحدث حرب مشبعة بجرائم الحرب، وظروف القهر والظلم والإبادة، والمجازر، وأشكال العذاب التي لم تشهد لها مثيلا البشرية، ليأتي العيد بلون واحد، تغيب عنه ألوانه السنوية المعتادة، فارغ من أي مظهر من مظاهر الاحتفالات المعتادة، يأتي باهتا، تحضر به صور الدمار وأشلاء الأطفال والنساء والمسنين، وتعلو به أصوات الوجع وأنين الألم.وكما هو الأردن دوما توأم فلسطين وغزة بمواقف حقيقية، أعلن مجلس رؤساء الكنائس الأردنية إلغاء جميع فعاليات وأنشطة مظاهر الاحتفال بعيد الميلاد المجيد لهذا العام احتراما للضحايا البريئة ودمائهم في غزة وعموم فلسطين، وسيقتصر الاحتفال على الصلوات والطقوس الكنسية، ليس هذا فحسب، إنما كانت جميع الكنائس قد خصصت ريع تقدمات قام بها في وقت سابق لصالح قطاع غزة، وحثت في حينه الجميع للمبادرة بالتبرع من خلال القنوات الرسمية التي وفرتها بعض الكنائس للغرض ذاته.تقف الكنائس الأردنية، والمسيحيون في الأردن، وقفة سند حقيقية مع الأهل في غزة، مكملين مواقف الأردن بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني في دعم أهلنا في غزة، ومساندتهم، بشكل حقيقي وعملي، لتكون الأعياد هذا العام، فارغة من أي احتفالات أو فعاليات، أعياد تتشح بالحزن والألم مع غزة وأهلها، تقرع بها أجراس الكنائس وجعا لا فرحا، وتمتلئ شجرة العيد بصور الشهداء، ودمار الكنائس في غزة، وأسماء ضحايا وجرحى من حرب بربرية اغتالت فرحة العالم كما اغتالت أرواح الأبرياء في غزة.اليوم، ليس عيدا، إنما يوم للشعائر الدينية يصلي بها الجميع لنصرة الأهل في غزة، والدعاء لهم، بالسلام ووقف الحرب، يوم بلا معايدات، والأفراح، يوم يمضي كباقي الأيام منذ بدء الحرب على أهلنا في غزة، نرقب به شاشات التلفزة والموبايلات، يرافقنا الدعاء لله أن يخفف على غزة وينصر أهلها، ويحمي أهلها ومقدساتها، التي طالتها آلة الحرب الإسرائيلية ودمرت أجزاء منها، ودمرت أخرى بالكامل، فهو حقيقة ليس عيدا، فقد عاد العيد بالكثير من الوجع، وقليل من الفرح، أو عاد بلا فرح