قراءة في الأبعاد التاريخية والسياسية والإنسانية لخطاب الملك بالأمم المتحدة (1-3)

لماذا هذه القراءة بحثية وليست تحليلية بحتة للخطاب الذي ألقاه جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين في الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة في الأمم المتحدة، لأنه يحمل في طياته تحديثاً في الذاكرة السياسية لمرحلة التعزيز.

  الخطاب التاريخي للمك بوضوحه التام في الظاهر، ورسائله الذكية في المضمون، أعاد التأكيد على الساحة السياسية والإقليمية التي كانت تعتقد أن الأردن بسب حدة أزمته الاقتصادية، سيتزعزع عمقه الإنساني ومسؤوليته المجتمعية والعروبية.. الأردن الوطن والرسالة سيظل بأهله بوصلة لكل مستغيث. الخطاب التاريخي لجلالة الملك كان واضحاً ومباشراً في عكس أولويات الأردن، ومواقفه الثابتة التي تنطلق منها جهود جلالته في كل تحركاته، وخصوصاً في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية.وتحدث جلالته عن الخذلان الذي تسبب بالكثير من الضرر للأردن، وولد الكثير من التهديدات شملت تهديد الإرهاب الذي تعاملت معه «قواتنا المسلحة والجهات الأمنية بجدارة»، وتشمل الآن تهريب المخدرات التي نحبطها دائما.ومن هنا فاننا نبدأ باستعراض مكونات المرتكزات الفلسفية والنظرية والفكرية التي اتسمت ليس اسماً فقط، إنما سمة ملتصقة تماماً في البناء التكويني للثوابت القيمية المعروفة تاريخيًا للهاشميين. وننطلق من مفهوم التشاركية الوطنية في صناعة القرار، والتي أسس لها من خلال ما ذكرناه في كثير من الأحيان حول الاستهداف المتدرج للوعي الجمعي الأردني، تمهيداً لخلق مناخ ديمقراطي حقيقي، يساهم في إنجازه الكل الأردني، فبدأت أوراق الملك النقاشية تتجه في بعديها الداخلي والخارجي لجعل الأردن نموذجاً في التحول المستقر والهادئ والممنهج، نحو احتواء ظاهرة التغيير المجتمعي، والتي حاولت القيادات الشبابية قيادة حراكها ضمن إطار المصادمة وليس الاحتواء. إن ذلك هو ما وضع دول الإقليم تترقب التجربة الأردنية التي خرجت من الفوضى في الإقليم بنتائج استثنائية لبت الاحتياجات اليومية السياسية والمعاشية باستقرار وامن هذا الوطن حتى بالتراتبية التي اتخذها جلالة الملك بإطلاق تلك الأوراق بمفهوم الحرية الديمقراطية، ليثبت أن مفهوم النقاشية هو المشاركة في البناء النظري لدولتنا العزيزة، وصولاً إلى إحداث تغيرات تشريعية وقانونية ودستورية من إجل إسناد هذا التحول بأبعاده الوثيقة الوطنية والتوافق والتوائمة البينية واعتمادها على ذلك الفهم هو ما جعل جبهتنا الأردنية الداخلية بحصانة كلية من ابعاد التدخلات الأجنبية في الإقليم دون مواربة او تملق. هذا البناء الفكري والقدرة الاستشرافية لا يمكنها ان تأتي بهذه المنهجية الا من خلال قائد بثقل وحكمة وحنكة جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين. وهذا ما اعترف به القاصي والداني، وهو الذي مهد الى احتواء التقلبات السياسية في جميع الأحيان دون فوضوية الصدام والشعبوية الجوفاء، انطلاقا من هذه المقدمة سنوضح بكل التفاصيل لماذا ارتفع مستوى الخطاب الاردني مبتعداً عن كل الأطر عن الخطابات التقليدية الدولية ومبتعداً أكثر بوضع النقاط على الحروف، لأن الأخطاء الدولية والكيل بمكيالين تحول من هفوات هنا وهناك، إلى نهج يوظف ضد السلوك الإنساني السياسي للسياسة الأردنية الخارجية ومفاعيلها على الأرض، وهذا ما سنتطرق له في الجزء الثاني من هذا المبحث حول البعد الإنساني للخطاب، ولماذا أعطاه جلالة الملك أولوية كمحور بالتفصيل