عممت وزارة الأوقاف والمقدسات الإسلامية موضوع خطبة الجمعة على كافة مديريات المملكة.
وتاليا نص المادة العلمية للخطبة:
لقد كرم الله عز وجل بني آدم أحسن تكريم، وخلق الإنسان في أحسن تقويم، قال الله تعالى : ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾ سورة الإسراء:70 ، ومن نعم الله السابغة على الإنسان أنه أعلى من شأن العقل وجعله مناطاً للتكليف، وإذا فَقَد الإنسان عقله سقط عنه التكليف، ولذلك صارت المحافظة على العقل من الكليات الشرعية ،وصيانته من المؤثرات على واجباته ضرورة من الضروريات الإيمانية ، وقد جاء التحريم لكل ما يذهب العقل الصريح، ويمنعه من ممارسة تفكيره الحصيف ، فحرم الله تعالى المسكرات وتعاطي المخدرات وكل ما يضر بالعقل، ويمنع الفكر لما في هذه المؤثرات السلبية من ويل على الإنسان والإنسانية.
قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ ﴾ سورة المائدة:90ــ91، ولقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عن كل مسكر ومفتر» سنن ابي داود
إن الأزمات التي تواجهها الأمة جِدُّ خطيرة ، ولكن من أشدها عصفاً وفتكاً هو وباء المخدِّرات الذي أضحى يفتك بأبنائنا وشبابنا، بل وببعض بناتنا والفتيات، وباتت هذه الآفة تشكل خطراً كبيراً جسيماً على مجتمعاتنا وأوقعت العديد من الضحايا الذين هم في زهرة شبابهم، فتحولوا من أشخاص أسوياء منتجين إلى معاول هدم، يجلبون لأنفسهم ولأهليهم الخزي والعار .
إنَّ المخدِّرات بلاءٌ عظيم وخطرٌ جسيم، وهي شرٌ مستطيرٌ وضرر عظيم، وهي أشدُ أثراً وسوءًا من الخمر، والتحريم يشملها من طريق الأولى ذلك أن أثرها على العقل أعظم وأخطر، ولذا قال العلماء: إن هذه المخدرات أعظم ضرراً من الخمر على المجتمعات، فضررها يشمل الفرد والمجتمع، وأثرها السيء ينال من جميع مقومات الحياة الدينية والأخلاقية والسلوكية والصحية والاقتصادية والتعليمية وغيرها ..
إن من أسباب تعاطي هذه المخدرات: ضعف الوازع الإيماني في قلب العبد، فمن كان ذا إيمان صحيح ابتعد عن هذه المخدرات وعلم أنها ضررٌ وفساد، ومعصيةٌ لله جلَّ وعلا، وكبيرةٌ من كبائر الذنوب، فالإيمان الصادق في القلب يحذِّرُ المسلم عن تناول هذه المخدرات.. ومن أسباب تعاطي المخدرات: صحبة ومجالسة أهل السوء الذين فسدت طباعهم وساءت أخلاقهم وقلَّ دينهم وحياؤهم، فلا يَسْلَمُ أبداً من رافقهم وصاحبهم وجالسهم ، فبعض الأشخاص يظنُّ أنه لن يتأثر بصحبتهم فإذا به يقع فريسة في مصائدهم عندما يحثُّونه عليها ويهوِّنون من تعاطيها، فإذا بهم يقضون على مروءته وكرامته وأخلاقه وشيمه، فينقلب من إنسان عاقل إلى أدنى مستوى من البهائم .. يعيث في الأرض فساداً ، فكم من جريمة اقترفت وكم من نفس أزهقت وكم من عرض انتهكت وكم من حادث سير وقع من وراء المخدرات والتعاطي، قال الله تعالى:﴿ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ، وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ ، وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾ سورة البقرة:204ــ 206 .
جاء في الحديث الشريف أن اللعن يشمل في كل مسكر ومذهب للعقل عشرة من الأشخاص فقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم « في الخمر عشرة: عاصرها، ومعتصرها، وشاربها، وحاملها، والمحمولة إليه، وساقيها، وبائعها، وآكل ثمنها، والمشتري لها، والمشتراة له »رواه الترمذي ، ومن هنا فإنه يحرم الاتجارُ في المخدِّرات أو الترويج لها أو نقلها ومن فعل ذلك فقد وقع عليه الطرد من رحمة الله تعالى، ذلك أنه بذلك يفسد الناس ويسعى لنشر الفساد في الأرض، وبذلك وجبت في حقه العقوبة الرادعة، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ المائدة:33، فجريمة تاجر المخدرات ومروجها عظيمة ذلك أنها في الأغلب تقود إلى جرائم متعددة ، فهي تسبب تعطيل الأعمال وانتشار البطالة والكسل والعجز عن القيام بالواجبات والأعمال فضلاً عن العبادات والطاعات، كما بسببها تنتشر الفاحشة والرذيلة وتلوث الفكر والعقل وتتفكك الأسر وتتقطع الأرحام وعواقبها وخيمة ..
إن مسؤولية محاربةِ المخدِّرات ومحاربة هذا الداء العضال والبلاء العظيم والشرِّ المستطير هي مسؤولية جماعية لا تقع على عاتق الأجهزة الأمنية فحسب، بل يجب على كل واحد من أبناء الوطن أن يأخذ دوره وأن يبذل جهده في محاربة هذه الآفة وهذا الداء والقضاء عليها ، ذلك أن ضرر المخدرات لا يقع على مدمنها أو متعاطيها بل إن ضررها على المجتمع والوطن والأمة.
فرسالتنا للشباب أن يحذروا من دعاة السوء، ومن هؤلاء المجرمين الأفاكين المفسدين الضالين، فجرعة واحدة تجعل من متعاطيها مدمناً.
وهذه رسالة لكم أيها الآباء والأمهات الكرام بأن نتقي الله في أولادنا وأن نربيهم التربية الإيمانية الصالحة وأن نتعهدهم بالأخلاق الحميدة، وأن نحسن في توجيههم ونصحهم وإرشادهم، وأن نتعرف على أصدقائهم وجلسائهم وأن لا نهملهم، قال الله تعالى: ﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ سورة التحريم:6 ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إِنَّ اللَّهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ ، أَحَفِظَ ذَلِكَ أَمْ ضَيَّعَ ؟ حَتَّى يُسْأَلَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ» رواه النسائي.
عبد الله: إن باب التوبة مفتوح ، فمن ابتلي بالإدمان والتعاطي فإنه يجب عليه أن يتوب إلى الله تعالى وأن يقلع عن هذه الكبيرة والمعصية والإثم العظيم ، فإن الله عز وجل يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات، وقد أمر الله تعالى بالتوبة فقال: ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ سورة النور:31 ، والله تبارك وتعالى يفرح بتوبة عبده ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : « كل ابن آدم خَطَّاء، وخير الخطائين التوابون »رواه ابن ماجه، فإذا صدق الإنسان في توبته فإن الله تعالى يعينه على ترك ما ابتلي به. كما أن هنالك مراكز مجانية لمعالجة الإدمان ومساعدة المدمنين في أن ينقذوا أنفسهم من هذا الداء القاتل ، وقد راعى القانون هذه الناحية في المدمن بحيث لا يوقع عليه العقوبة إذا توجه المدمن من تلقاء نفسه نحو العلاج ولم يتكرر منه التعاطي .
واننا نقف اليوم خلف اجهزتنا الامنية ونثمن الجهود الكبيرة التي تقوم بها للكشف عن المخدرات ومروجيها والضرب بيد من حديد لكل من تٌسوًل له نفسه استخدام الأردن كممر أو جسر لعبور المخدرات الى أي دولة مجاورة، وايقاع اقصى أنواع العقوبات على من يستخدم الأردن كمقر لهذه الآفة اللعينة، ومحاولة ترويج أنواع المخدرات بين فئة الشباب الأردني في محاولة لتدميره، وعلينا ان نكون خير معين لأجهزتنا الأمنية المعنية بمحاربة هذه الآفة الخطيرة، هؤلاء الذين يحملون ارواحهم على اكفهم ويبذلون الغالي والنفيس في سبيل حماية أولادنا وبناتنا من هذا المرض بل الوباء الذي بات منتشرا الان في مختلف المجتمعات.
نسأل المولى عز وجل أن يحفظ أوطاننا وشبابنا وأبناءنا من كل فتنة ومن كل سوء.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ آل عمران:102.
ولا تنسوا الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن أبي بن كعب رضي الله عنه: (أن من واظب عليها يكفى همه ويغفر ذنبه)، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا”، وصلاة الله على المؤمن تخرجه من الظلمات الى النور، قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚ ﴾الأحزاب،33 :43، ومن دعا بدعاء سيدنا يونس عليه السلام: ﴿ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ استجاب الله له، ومن قالها أربعين مرة فإن كان في مرض فمات منه فهو شهيد وإن برأ برأ وغفر له جميع ذنوبه، ومن قال: “سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة، حُطَّتْ خطاياه وإن كانت مثل زَبَد البحر”، ومن قال: ” لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكُتِبَتْ له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي”، وعليكم أيضا بــ ( كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن وهما سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم) قدر المستطاع.
سائلين الله تعالى أن يحفظ ولي أمرنا جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين وولي عهده الأمين الحسين بن عبد الله، وأن يوفقهما لما فيه خير البلاد والعباد، إنه قريب مجيب.
والحمد لله ربّ العالمين