ركات الزِّيود – خلال أشهر قليلة من العام الجاري 2023، لجأ 6 آلاف و131 شخصًا إلى القانون لحمايتهم من أشخاص ارتكبوا بحقهم جرائم ابتزاز واحتيال واخترقوا خصوصيتهم وقدحوا وذمُّوا بهم وهدّدوا حياتهم حسب آخر الأرقام الرَّسمية.
تفاصيل هذه الجرائم تُشير إلى تسجيل ألف و100 قضية تهديد لحياتهم عبر الفضاء الإلكتروني، وألف و700 قضية إحتيال وألف و490 قضية انتهاك للخصوصية، وألف و900 قضية قدح وذم، و641 قضية ابتزاز.
وخلال تعليقه على مشروع قانون الجرائم الالكترونية الذي وصل إلى مجلس النواب من قبل الحكومة، في ثاني خطوات إقرار التشريعات الدستورية قال النائب المهندس سليمان أبو يحيى : في السَّابق كان الشَّخص يتحدث بينه وبين محيطه أو عائلته أو عشيرته، لكن الفرقة وإثارة النَّعرات اليوم تنتقل إلى الآفاق وتصل إلى 10 ملايين شخص ، النَّاس يسمعون بها ويتناقلونها، وهذا يجب على القانون أن يحاسبه.
وأضاف: إنَّ قانون الجرائم الإلكترونية هو قانون جرائم وهي جرائم يفوق الأذى من بعضها الجرائم الأخرى، متسائلا عن علاقة هذا القانون بالحريات، وهو قانون يتحدث عن جرائم قام بها أشخاص والعقاب المفروض عليها، ومن يقوم بجريمة هل هذه حرية؟.
وتساءل عن كيفية اعتبار قيام شخص بالحذف والإتلاف والتعديل وتغيير ونقل ونسخ معلومات لا علاقة له بها وليس مصرح له الدخول إليها، من باب الحرِّيات؟.
وقال: إذا دخل احدهم إلى نظام معلومات الوزارات والمؤسسات السرية بدون تصريح، وشخص آخر قام بإنشاء صفحات وتزوير أخرى وابتز الآخرين وكذب واحتال عليهم، وأشخاص يخترقون المواقع والخصوصيات وتزوير الأسماء وانتحال أسماء الشخصيات والمؤسسات هذه ليست من الحريات.
وبين أنَّ الذَّم والتشهير تفوقت على الجرائم الأخرى فهي أوسع انتشارًا وأكثر تأثيرًا.
ولفت إلى أنَّ المسابقات الكاذبة التي تنتشر في هذا الفضاء تأخذ من النَّاس أموالهم دون وجه حق، والترويج للأسلحة والذَّخائر والدَّعارة الالكترونية وجمع التَّبرعات والصَّدقات الكاذبة والمحافظ الإلكترونية وأخذ أموال النَّاس بالباطل وممارسة عمليات النَّصب لا يمكن اعتبارها من باب الحريات.
وأكد أنَّ هذا القانون وجب تطبيقه وهناك بعض المواد التي تحتاج إلى معالجة وتهذيب من قبل المجلس وتعديلها، وطلب تحويله للجنة القانونية لمناقشته والوصول إلى صيغة تضمن حقَّ جميع المتضررين من الجرائم التي ظهرت عبر الفضاء الإلكتروني.
الخبيرة في قضايا حرية التعبير الدكتورة نهلا المومني قالت إنَّ مشروع قانون الجرائم الالكترونية يُعد من حيث الأصل قانونا للتعامل مع الجرائم المستحدثة في الفضاء الرقمي وهو أمر ضروري لوضع حد للجرائم التي تقع في هذا الفضاء والتي تتميز بطرقها المستحدثة القائمة على استثمار واستغلال التقنيات الحديثة وقد أشارت الأمم المتحدة في مؤتمرات مختلفة لمنع الجريمة إلى ضرورة مكافحة الجرائم الالكترونية بوصفها تشكل أحيانا كثيرة جرائم عابرة للحدود.
وأضافت أنَّ مشروع قانون الجرائم الالكترونية لسنة 2023 تضمَّن نصوصا من شأنها أن تسد ثغرات قانونية قائمة في المنظومة التشريعية الحالية أبرزها ما يتعلق بالاعتداء على حرمة الحياة الخاصة سواء من حيث نشر صور الأفراد دون الحصول على إذنهم أو تركيب وتعديل أو معالجة هذه الصور كذلك ما يتعلق بجمع التبرعات أو الصدقات دون ترخيص أو بما يخالف الترخيص الممنوح وكذلك ما يتعلق بالأفعال الإباحية وتغليظ العقوبة إذا وقعت على الأطفال أو الأشخاص ذوي الإعاقة أو المصابين بمرض نفسي وغير ذلك.
ولفتت أنَّه وحتى يكون القانون منسجما والوثيقة الدستورية الأردنية التي تضمنت نصا نوعيا يتمثل في المادة 128والتي أكدت على أن القوانين التي تصدر لتنظيم الحقوق والحريات يتوجب ان لا تمس جوهر هذه الحقوق واساسياتها، وانطلاقا من هذا النص ولضمان الدِّقة في الصياغة التشريعية لا بد من ضبط المصطلحات الفضفاضة مثل الأخبار الكاذبة وتضمين المعايير الواجب توفرها وفق المعايير الدولية لحقوق الإنسان لما يعد خطابا للكراهية وكذلك الاكتفاء بالقواعد العامة المتعلقة بتجريم الذم والقدح والتحقير الواردة في قانون العقوبات والتي لا تجيز التوقيف في هذه الجريمة في الوقت الذي يمكن التوقيف على قانون الجرائم الالكترونية على الجريمة ذاتها.
وأكدت أنَّه يتطلب مشروع قانون الجرائم الالكترونية إعادة النظر في الغرامات نظرا لكونها غرامات مرتفعة، ومنح قاضي الموضوع إمكانية الاختيار بين الغرامة أو الحبس في بعض الجرائم تبعا للخطورة الجرمية لدى الفاعل وجسامة الفعل حيث إنَّ القانون الحالي يعاقب بالغرامة والحبس دون تمييز.
ونوهت إلى ضرورة إعادة النظر في المسؤولية المفترضة الواردة في القانون عن المحتوى غير القانوني والذي قد يقوم به احد الأفراد على موقع إلكتروني أو منصة للتواصل الاجتماعي أو صفحة أو مجموعة أو ما يماثلها ترسيخا لمبدأ شخصية العقوبة وهو مبدأ جوهري في السياسية الجزائية التي انتهجها المشرع الجزائي الأردني بصورة عامة.
ونوهت إلى أنَّ هذا التوازن بين حماية حقوق الأفراد وفي الوقت ذاته التقيد بالصياغة القانونية الدقيقة والابتعاد عن المصطلحات الواسعة وعدم تكرار النصوص التشريعية من شأنه أن يحقق المصلحة الوطنية العليا وبالنتيجة يحقق الأمن المجتمعي بمفهومه الواسع .
وقبل أكثر من 8 سنوات وبعد دراسات طويلة قرَّر الأردن حماية الإنسان من شرِّ الفضاء الإلكتروني، ووضع قانون يكون الفيصل بين المتخاصمين، ويحقِّق الرَّدع العام والخاص للحفاظ على وحدة المجتمع ونسيجه الاجتماعي، وسار القانون وقتها بجميع قنواته الدستورية وأصبح ساري المفعول.
وخلال هذه السَّنوات لجأ آلاف الأشخاص للقضاء لحمايتهم من الانتهاكات التي ارتكبت بحقِّهم إلكترونيا، وكانت تفاصيل الجرائم قاسية جدًا، ولأنَّ التشريعات والقوانين وضعت لخدمة المجتمع فقد أصبح لزامًا إجراء تعديلات جذرية على القانون.
وتسير كل القوانين والتشريعات وفق قنوات دستورية محدَّدة، تبدأ من مقترح حكومي ثم إلى مجلس النواب بعدها إلى مجلس الأعيان، ثم تصدر بها إرادة ملكية سامية، وتُنشر في الجريدة الرَّسمية وتصبح سارية المفعول وفق مدة رسمية محدَّدة بالجريدة الرسمية.
وتشير الأرقام الخاصة بالجرائم الإلكترونية لدى المجلس القضائي إلى أن عدد التهم بقضايا الجرائم الإلكترونية بين عامي 2019 – 2023 بلغ 22 ألفا و 759 وعدد المشتكى عليهم مع إزالة التكرار للشخص الواحد في نفس القضية والإبقاء على القضايا الأخرى 21 ألفا و 654.
وتؤكد وحدة مكافحة الجرائم الإلكترونية التابعة لمديرية الأمن العام أن عدد قضايا الجرائم الإلكترونية ارتفع بنحو ستة أضعاف على مدار 8 سنوات بين العام 2015 وحتى العام الماضي 2022، وهو مؤشر على أن كثيرا من الأشخاص استغلوا المساحة المخصصة للنشر على منصات التواصل الاجتماعي، وخلطوا بين حرية الرأي والتعبير وبين ارتكاب الأخطاء التي تصل حد الجريمة بحق آخرين، وتتسبب بضرر أصبح معه فرض سيادة القانون أمرا واجب النفاذ، موضحة أن عدد هذه الجرائم ارتفع من 2305 قضايا عام 2015 لتصبح 16027 قضية عام 2022.