وحوش التحرش في وسط البلد

صديقي، اردني مهاجر، ويعيش في امريكا.

و يقضي الان عطلة الصيف مع عائلته في الاردن.

و في هذا الصيف مئات الاف من اردنيي المهجر عادوا الى ديارهم.  و اغلبهم لم يطرقوا ابواب المهجر من اعوام ما قبل كورونا.   و صديقي العائد من المهجر، وضع ورسم برنامجا سياحيا لاكتشاف الخريطة السياحية الاردنية من الشمال الى الجنوب .

و اولاده من الجيل المهاجر الثالث ، وولدوا في امريكا، ويعرفون الاردن من نشرات الاخبار والكتب والمجلات، وحكايا الاباء والاجداد.   و قبل ايام ذهب الى وسط البلد وبرفقة عائلته، وزار المدرج الروماني وجبل القلعة، وجال في شوارع وازمة عمان القديمة .   و قال لي انه لن يكرر الذهاب الى وسط البلد، وينصح ويحذر، وخائف، ومرعوب. و يقول لكثرة ما تعرضت ابنته من عبارات غزل وتحرش وكلام سوقي. و رغم ان اباها بجانبها، وتمشي البنت مع عائلة، ولها اخ عمره 7 اعوام. و ذلك لم يردع المتحرشين من ملاحقة الفتاة وتلطيش كلام، والتحرش اللفظي، واعتراض طريق سائحين من اهل البلد.   و يقول : نحن نعيش في واشنطن، والبنت تدرس في جامعة بتكساس، وفي شباب تكساس السود والبيض والملونون لم يجرؤ يوما احد على التحرش بها، ولا حتى النظر على جسدها ووجهها. و يذكر : انها مرة واحدة في امريكا تعرضت الى موقف محرج ومحاولة تحرش، وتبين ان الشاب المتحرش عربي، وحديث الاقامة في تكساس. و التحرش في شوارع الاردن لا يعني ان ضحيته فتيات اللواتي يرتدين ثيابا مودرن وافرنجية، وحتى المحجبات والمنقبات لا يفلتن منه.   و ذاك العذر السخيف الذي يسوقه مبررو التحرش، وتحميل المسؤولية على ملابس الفتيات المتبرجات لا يحتج به. و سمعت من صديق اخر كلاما غريبا عن التحرش، ويقول متفاخرا : ان ابنه يخرج الى الشوارع، ويتحرش بالفتيات، ويروي عن بطولات ابنه، وانه اصبح شابا مراهقا، ويطارد الفتيات، ويتكلم معهن. و هذه قصة حقيقة عن شاب متحرش، ولا تتخيلوا انه لاحق في الشارع فتاة تلبس حجابا، وطاردها في الازقة، وسمعها كلاما والفاظا بذئية، و لا يدري انها اخته، وعندما عادت الفتاة الى البيت ابلغت والدهما عن افعال اخيها المشينة. وفيما هو غريب اجتماعيا تسمع قصصا تقرن التحرش ببطولة ذكورية، وتسمع اباء يتفاخرون باولادهم المتحرشين، وكما لو ان التحرش عنوان لبطولة ، وان الشاب المهذب والمؤدب الذي يستحي من الاناث ويغض البصر يتهم بانه مريض نفسي او مصاب بنقص وعقدة ما. لماذا يتحرش الاردنيون ؟ ولربما هو سؤال في صميم الاخلاق والاداب العامة. ويبدو ان الدين وتعاليمه غير رادعة ومهذبة لشخصية المواطن المسلم. و ان خطاب التربية والوعظ الديني غير رادع ومهذب لاخلاق الناس.    التحرش جريمة. والقوانين غير رادعة، والمناخ الاجتماعي العام يقف في صف المتحرش، والمجتمع لا يجرم المتحرش، بل العكس يقدم انه بطل وفتوة، وسوبرمان، ويتفاخر ويعتز بأعمال التحرش ويقرنها بقيم البطولة والرجولة.        

فارس الحباشنة