الخصاونة: أنا مزارع في مجتمع أغمض عينه عن الزراعة

يعد من الشباب العصاميين الناجحين في إدارة العمل العام، والذين يقدمون الخدمة للجمهور بكل تفان واحترام.

ورغم ضغط العمل، فإنه لا يعرف التجّهم أو التأفف والتذرع بالحجج، حال الموظف المترهل الذي يتعالى على المراجعين، كما لو هو يعمل في شركة خاصة له أو لوالده، وليس في دائرة حكومية.
المكتب الذي يشغله، بابه مفتوح على امتداد وقت الدوام الرسمي وما بعد الدوام لكل مراجع، مع أن مسماه الوظيفي يقتضي أن يكون محدداً في مهمته، حيث يحرص دائماً على تناول هذ الطلب أو تلك المعاملة والاستعجال بهما الى المعنيين في تدوين الاجراءات والملاحظات، لكسب الوقت في الإنجاز وعدم التأخير.
يؤمن بمقولة «العلاقات العامة وجه وواجهة كل مؤسسة» أي الصورة التي تعكس العمل الوظيفي، العام والخاص، للمؤسسة، إيجاباً وليس سلباً.
اغرورقت عيناه عندما مررنا على ذِكر والديه، رحمهما الله،» فهما من زرعا في نفوس أفراد الاسرة من اشقاء وشقيقات،الصدق والامانة واحترام الناس»، وعلّما الأبناء أن «الناس كرامات.. ساعِدوهم ولو على حساب جهدكم ووقتكم ومالكم».
أما المراجع أو الزائر لدائرة الاحوال المدنية والجوازات فإنه يرى هذه الدائرة لا مجال لموظفيها-من مديرها العام الى موظف الخدمات- للتوقف لأكثر من قضاء حاجته الخاصة، أو تناول وجبة خفيفة واحتساء مشروب ساخن، أو تأدية فريضة الصلاة، لذلك، فإن سرعة إنجاز خدمات المواطنين من إصدار جوازات وهويات شخصية ودفاتر عائلة، وغيرها من وثائق، لا تأخذ من الوقت، سوى دقائق معدودة، وتسلّم بأريحية من قبل الموظفين.
مدير العلاقات العامة والاعلام، الناطق باسم دائرة الاحوال المدنية والجوازات، مالك الخصاونة، كان أرجأ اجراء المقابلة الى ما بعد انتهاء الدوام الرسمي، رغم الحضور الى مكتبه، قبل
أن يقدم تجربته الوظيفية ومسيرته الحياتية ورأيه في أمور عامة، حيث يقول:
النشأة والدراسة المدرسية والجامعية؟
نشأت في النعيمة بلدة الآباء والأجداد الذين كان لهم الفضل في بناء معالمها التي ما تزال شاهداً على تعبهم وعظمتهم، النعيمة التي تتربع على نهاية سهل حوران الوادعة وأول جبال عجلون الشامخة، هذه البلدة بسهولها الخصبة شكلت جزءاً كبيراً من سهول حوران ذات السنابل الذهبية، هي النعيمة بأهلها الأنقياء الأوفياء لبلدهم.
اكملت دراسة التوجيهي في مدرسة النعيمة الثانوية.
جامعياً، كان لي الفرصة الرائعة أن التحقت بجامعة بابل في العراق عام 1995، إذ حالت الظروف التي سادت وقتها دون إكمال دراستي، فالتحقت بمؤتة عين الجنوب الوفي، الجامعة التي زرعت فينا الوفاء للوطن، وأنبتت فينا كل معاني مؤتة المعركة بأن التضحية يجب أن تكون إلى حد الفداء.
في مؤتة كما في بابل.. كان اختياري للقانون مجالاً للدراسة، القانون الذي نبحث عن تطبيقه كنهج في مناحي حياتنا كافة، في الشارع والعمل في السوق والمستشفى.
القانون كما درسه والدي وعلمني اياه، وأوصاني بدراسته.
وعند الحديث عن التدريس، فإنه يقفز الى الذهن في دراسة هذا التخصص، أن المدرّسين في تلك المرحلة كانوا من اكثر نظرائهم في الهيئات التدريسية حرصاً على تدريسنا «أصول القانون»، كونهم يتسلحون بالخبرة الواسعة في مؤهلهم العلمي، ولا أنسى وأنا أنسب الفضل العلمي لأهله، أن أذكر، أن معظم الدكاترة كانوا من العراق الشقيق وعلى رأسهم القامة العلمية، الاستاذ الدكتور سعدون العامري.
هذا كان من حسن حظي وحظ زملائي الذين جلست معهم على مقعد الدراسة في الجامعة، أن ننهل من معين أولئك القامات، والذين أثروا مداركنا العلمية بكل إخلاص مهنة التدريس وأخلاقياتها.
أما الحديث عن والدي ووالدتي، رحمهما الله، فهما كانا دائمي التشجيع على العلم والمعرفة.. والدي خريج جامعة دمشق في العام ١٩٧٣ ووالدتي حاصلة على شهادة التوجيهي عام ١٩٦٧ وكانت من اوائل النساء المتعلمات في بلدة النعيمة.
والدي تربوي وخدم في وزارة التربية والتعليم لعقود ثم مارس مهنة المحاماة لعقود أخرى.
كان محباً للزراعة ايضاً، وقيمة الأرض المعنوية لديه اكبر من قيمتها المادية، هي أرث تاريخي عن ابيه وجده وكان ينظر اليها على أنها أمانة في عنقه.
علمني والدي الكثير، علمني أن حب الأرض من حب الإنسان والوطن، وأن الزراعة تغرس الإنسان جذوراً في أرضه وليست فقط غرس الشجر والحبوب.
ومع اعتزازي بالعمل الوظيفي لدى الحكومة، فإنني أرى نفسي مزارعاً على أرض الواقع، كما أجد في هذه الحرفة متعة حيث أقوم بفلاحة الارض التي عادة ما تكون مستأجرة، وأزرعها بالقمح والشعير، الى أن شعرت بأنني واحد من أبناء هذا الوطن الذي يسهم بدعم الإنتاج الوطني في قطاع الزراعة، من خلال كميات المحصول الذي زرعته(القصد التشجيع على الزراعة).
مزارع يشعر بهذا الزهو، ولكنه يعيش في مجتمع أغمض عينه عن الزراعة التي كانت وما تزال السبيل لتحقيق مصدر يكون عيشاً كريماً لفئات من الناس، واكتفاء لوطن كان يصدّر القمح لدول الجوار والمنطقة، ذات مرحلة.
مثل هذا العمل، أقوم به وأشقائي بفلاحة الارض التي ورثناها عن والدي، ونحسب في هذا، رسالة لنا، ووصية من وصاياه الكثيرة التي طالبنا أن نحرص عليها.
ماذا عن عمل الدائرة وعملك؟
هذه الدائرة تقدم خدماتها للاردنيين وغير الاردنيين، فهناك خدمات تقدم للأشقاء الفلسطينيين، وقطاع غزة أملتها ظروف سياسية وعملت عليها العلاقة الوثيقة بين الاردن والدولة الفلسطينية، وكذلك تقديم الخدمة لكل من هو بحاجة الى إصدار وثيقة تسهل عليه الدخول الى المملكة والخروج منها وما يحتاجه أثناء إقامته في أي بلد من بلدان العالم.
تعمل هذه الدائرة في الضوء، وأعني أن عملها واضح ومباشر مع الجمهور وحساس بحكم طبيعة الوثائق الشخصية المقدمة لكل من تعنيه ويثبت حقه فيها، وأن ما تقدمه الدائرة، أو تقصّر به، يلمسه المواطن.. عمل في الضوء، لكنه في الوقت ذاته، بعيد عن الأضواء، وأقصد هنا الإعلام، ولأن الهدف، هو خدمة المواطنين وإرضاؤهم، اذ يكفي أننا في الدائرة لم نتلق شكاوى تشير الى تقصير أثّر على مصالح المواطنين.
ولعل انتقال الدائرة الى العمل الالكتروني، ساعدنا كعاملين ومواطنين مستفيدين من الخدمة على سرعة الإنجاز وتوفير الوقت والجهد، كما أن ارتباط الدائرة بالدوائر الرسمية في المملكة من شأنه تقديم الخدمة المثلى في العمل الرسمي، وربما نصل في المستقبل القريب إلى أن تسهم الخدمة الالكترونية في تخفيف أزمة المواصلات والأعباء المادية عن المستفيدين من الخدمات الحكومية.
وجراء هذه الخدمة فإنه من المؤكد أن تقل المراجعات الشخصية التي يعاني منها المواطن والتي تسبب أيضاً ضغطاً على الموظف، حيث تتعامل الدائرة مع جمهور عريض، إذ تحكم هذا التعامل خصوصية ونوعية العمل الذي تقدمه.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، تنجز دائرة الاحوال المدنية ثلاثة ملايين وثيقة سنوية، اضافة الى قيامها بإعداد جداول الناخبين باعتبارها مرجعية في هذه الوثائق.
ويمكن الاشارة، أيضاً، الى دور هذه الدائرة في إصدار الوثائق للمواطنين الأجانب عند حدوث الواقعة في الاردن (الولادة أو الوفاة)، وكذلك ما تقدمه. في خدمة المغتربين الاردنيين.
ومن الخدمات المهمة للدائرة، حديثاً» هي تفويض المحكمة الشرعية في القدس بقبول طلبات جوازات المقدسيين.
أما عن عملي الحالي الذي أتشرف به لخدمة المواطن الأردني وتسهيل معاملاته في الدائرة، فهو الناطق الإعلامي للدائرة وإدارة فريق العلاقات العامة الذي يستند في العلاقة الوظيفية الى مبدأ التشاركية والمسؤولية والتعاون الوظيفي،والتنافس في تقديم الخدمة العامة.
زملائي جميعاً من موظفي وموظفات، دائرة الأحوال المدنية، ومنهم موظفو المديرية، هم على قدر كبير من الكفاءة والاخلاص ونعمل بتوجيهات الإدارة العليا التي تؤكد دائماً اهمية التواصل مع المواطنين وتلمس احتياجاتهم وقضاياهم والاجابة على استفساراتهم، كما تركز على ضرورة وجود خطة واضحة لتنفيذ المبادرات المتعلقة بالتسهيل على المواطنين، والأهم من ذلك (عامل الوقت) في تنفيذ تلك المبادرات.
من يعمل في هذه الوظيفة(علاقات وإعلام) عليه أن يتمتع بالصبر ويتفهم احتياجات المراجعين ويحتويهم عند حدوث أي اختلاف في وجهات النظر، وأن يبني علاقات ثقة مع الجمهور.
موقف وظيفي وآخر خاص أثّرا في نفسك؟
أن تخدم الناس من خلال عملك الوظيفي بكل احترام وأن تشعرهم بأنك موجود في هذا المكان لخدمتهم، فهذا له تأثير إيجابي على مقدمي الخدمة ومتلقيها، ويعكس صورة حضارية للموظف وللمؤسسة التي يعمل بها، ويرسخ العلاقات الطيبة بين الطرفين.
هكذا يجب أن تكون الخدمة، ولكن أكثر ما تأثرت به، وكان فيه جانب انساني، ووظيفي معاً، عندما دخلَتْ الى المكتب سيدة اردنية تطلب إصدار هوية(بدل فاقد)، للمرة الثانية، لابن لها قُتل في ليبيا، أثناء النزاع الليبي.
ولغاية تتعلق بالدفن، كان يجب إصدار الهوية الخاصة بالمتوفى، التي يترتب على فقدانها- للمرة الثانية- اجراءات مالية وادارية.. تفهمتها الدائرة فأُنجزت المعاملة بموجب هذا التفهم.
وللتوضيح، فإن الحالات الانسانية لها مبررات، وفي القانون صلاحيات للمسؤول حيث تكون الحالة الانسانية منسجمة مع احكام القانون.
على الصعيد الشخصي أو الخاص، فقد كان لرحيل والدي ووالدتي أثر عميق في حياتي.
هما من كانا شديدي الحرص على أن يكون الابناء والبنات صادقين مع مجتمع المنطقة، وأينما كانوا، وأن للناس كرامات، واحترامهم واجب، ومساعدتهم عمل انساني وفيه خير.
حَرِصا على حُسن تربيتنا وأن نتميز في تعليمنا، اذ كان والدي متابعاً لنا أثناء دراستنا وبعد الدوام، وعادة ما كان يكلفنا بحفظ آيات من القرآن، كل يوم.
والدي علمني أن حب الأرض من حب الإنسان والوطن، وأن الزراعة تغرس الإنسان جذوراً في أرضه وليست فقط غرس الشجر والحبوب.
هل أنت حزبي؟
أنا لست حزبياً ولم أُفكر يوماً بأن أكون منضمّاً لحزب، مع أن الحزبية كانت منتشرة في مرحلة دراستي الجامعية، سواء في العراق أو الاردن، كما هي الأحزاب في دول عربية وغربية، ذلك أن قناعتي في العمل العام ومدى قدرتي على خدمة الناس دون النظر لأي اعتبار جهوي أو مناطقي أو عرقي، تجعلني أن أظل مواصلاً القيام بهذه الخدمة. ولإيماني بأن الخدمة حق أصيل من حقوق الناس، وواجب من واجبات مهمتي في العمل، فإنني أحسبها كذلك، نوعاً من الخدمة التي تتطلب من المؤسسات الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني، ومنها الأحزاب، تقديمها لأصحابها الذين يشاركون في بناء الدولة، من خلال ما يترتب عليهم من استحقاقات مادية وعملية.
على أنني انظر الى التحديث السياسي بأنه مشروع وطني واعد يقوده جلالة الملك، ويجب أن نكون على قدر المسؤولية تجاه هذا المشروع بتشجيع الشباب على المشاركة في العمل الحزبي لأنهم عماد الحياة السياسية في الأردن.
والتحديث السياسي يجب أن لا يكون ميداناً آخر لتجديد النشاط الوظيفي للنخب السياسية والاقتصادية الا بمقدار مساهمتها الحقيقي في اثراء العمل السياسي وتعزيز دور الشباب فيه.
كما أرى أن مشاركة المرأة في التحديث السياسي ضرورة وطنية وهو ما يعزز ادوارها في الحياة العامة في الأردن.
اليوم نحن نبدأ مرحلة جديدة في مسيرة التحديث السياسي ومن المهم استثمار هذا التوجه لتفعيل أدوار المرأة والشباب في الأنشطة الحزبية.
في مشروع التحديث الإداري، فإنه من الضرورة أن نستعيد القيمة الإدارية للموظف العام والقيمة المهنية للوظيفة العامة، فهناك قيمة للموظف غابت خلال الفترة السابقة، قيمته كقائد ومحاور ومبدع، كما أنه يجب أن يكون أحد محاور مشروع التحديث، تحسين الأوضاع المالية للموظف العام بما ينعكس على تحسين تعامله مع متطلبات وظيفته.
كيف ترى الاعلام الاردني؟
الإعلام الأردني كان نموذجاً عربياً كما تميز الأردن بالعديد من المجالات.. مثل الصحة والتعليم العالي والإنتاج الدرامي الذي حقق فيه الاردنيون قصب السبق في سنوات سابقة، ولكن يجب أن نعترف ومن باب التأشير على الخلل وليس من باب النقد، اننا شهدنا تراجعاً في العديد من الميادين.. ويجب أن نفكر جميعاً لإعادة الألق إلى المنجز الأردني.
الإعلام الاردني كان له دور كبير، وكان ذراعاً قوياً للدولة الاردنية وشكل سلاحاً للدفاع عن الأردن وتاريخه ومنجزاته ولكنه لم يحافظ على التطور الذي حققه ويمكن ان تكون هناك اسباب كثيرة لذلك ومنها انه تأخر في مواكبة التطورات الإعلامية وتأخر في مواكبة تحديث ادواته بما يوازي الثورة الرقمية.. هذه واحدة من الأسباب وهناك العديد منها.. وهنا استثمر هذه الفرصة للدعوة إلى تكثيف الحراك الإعلامي لاستعادة الألق للإعلام الأردني.
رسالتك الوظيفية؟
الرسالة التي أعمل بها وظيفياً وادعو الزملاء لها، أن ننظر الى المواطن بأنه شريك في إصدار الوثائق، وضرورة احتواء المراجعين وإشعارهم بعدم التقصير من تقديم الخدمة، والمهم أن يتفهم المواطن إجراءات العمل ودقتها وقانونيتها وأنه في جميع الأحوال يجب أن تكون هناك ثقة متبادلة في الإنجاز والوقت المطلوب.
إن انتقال العمل من الورقي أو اليدوي الى الالكتروني وفر على الجميع الجهد عما كان عليه قبل سنوات، لا بل أن ترويج الخدمة الالكترونية بشكل مؤسسي وفي برنامج سينفذ خلال أيام، ستؤتي هذه الخدمة ثمارها لصالح المواطنين والعمل في هذا المجال.
الرأي - إعداد عبدالحافظ الهروط