الأردن.. ارتفاع الأسعار يلهب الأسواق في رمضان

دقيقة اخبار - ينضم عامل النظافة في بلدية عمان الكبرى -العاصمة الأردنية- خالد سليمان إلى زملائه المتحلقين في استراحتهم لتصفح عروض تخفيضات المواد الاستهلاكية التي تشهد أسعارها "انفلاتا" في رمضان، حسب سليمان الذي يعيل أسرة تضم 3 طلبة جامعيين وطالبين في المرحلة الأساسية، بدخل لا يتجاوز 560 دولارا.

  وتتضارب تقديرات الفقر في الأردن بين 25% حسب الأرقام الحكومية وأكثر من 35% حسب مؤسسات في المجتمع المدني. يقول سليمان -الذي يبدو راصدا دقيقا لحركة السوق- إنه ابتاع كيلو العدس في شهر رمضان بدينار و10 قروش (1.6 دولار)، في حين كان سعره لا يتجاوز 75 قرشا العام الماضي، مما يعني قفزة تجهز على الدخول المتدنية، وتستدعي تدخلا حكوميا للجم انفلات الأسعار. وتقدر الحكومة أن الإيرادات الضريبية سترتفع إلى 696 مليون دينار أو ما نسبته 11.7% مقارنة مع العام الماضي، وبلغ حجم الموازنة لعام 2023 ما قدره 11.4 مليار دينار وحجم الإيرادات العامة 9.5 مليارات دينار وبعجز نحو 1.8 مليار دينار. يضيف سليمان للجزيرة نت أن "ارتفاع الأسعار يصل ذروته في رمضان، ومهما قاطعنا من منتجات وسلع وخضروات سنضطر في النهاية للشراء"، معددا أصنافا ارتفعت أسعارها في السوق واضطر لشرائها مثل اللبن والجبن والمنظفات ومواد تموينية. التاجر أبو أحمد يقر بحقيقة ارتفاع أسعار بعض المواد الأساسية في متجره، لكنه يربط الرفع الحاصل في بعض السلع بارتفاع أسعارها عالميا، واحتكار كبار التجار أصنافا بعينها، إضافة إلى انعكاس ارتفاع الأسعار بعد الحرب الروسية الأوكرانية مطلع العام الماضي. وتشكو غالبية الأردنيين منذ بداية شهر رمضان من ارتفاع أسعار العديد من السلع الأساسية، مثل الخضروات والدجاج واللحوم الحمراء، مما دفع وزارة الصناعة والتجارة لوضع سقوف لأسعار الدجاج بعد أن حررت مئات المخالفات بحق تجار رأوا في الشهر الفضيل موسما للتربح. وردا على ارتفاع الأسعار، دعا المستشار الإعلامي للجمعية الوطنية لحماية المستهلك حسين العموش الأردنيين إلى مقاطعة شراء واستهلاك السلع المرتفعة الثمن. ويقول العموش للجزيرة نت إن بعض التجار يستغلون حاجة المواطنين في شهر رمضان المبارك، كما يستغلون ضعف الرقابة ورفض الجهات الرسمية السماح بالاستيراد لسد النقص الحاصل لبعض السلع، مطالبا الجهات الرسمية باتخاذ إجراءات حاسمة للتخفيف على المواطنين ووضع حد لبعض التجار الجشعين.

ترشيد الشراء وعقلانية المقاطعة

في الأثناء، أسهمت الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها المواطن الأردني إلى جانب الارتفاعات المتتالية لأسعار السلع والمواد التموينية مع ثبات الأجور والرواتب في إضعاف القدرة الشرائية، حسب ما يقول خبراء للجزيرة نت. وبالنسبة للعموش، فإن ترشيد الشراء وعقلانيته وسلوك المقاطعة للسلع المرتفعة، هو الرد الأبلغ على سلوك المحتكرين وكل من يستغل حاجة الناس، إلى جانب تعزيز سلوك الأسرة المنتجة، وتحفيزها لاستغلال كل متر من الأرض بالزراعة للتخفيف من فاتورة التسوق. وزودت الجمعية الوطنية لحماية المستهلك الجزيرة نت بدراسة مقارنة ميدانية تناولت التغيرات التي طرأت على أسعار 35 سلعة أساسية قبل شهر رمضان بالمقارنة مع أسعارها بعد مرور 10 أيام، أكدت فيها ارتفاع أسعار 22 سلعة أساسية، وبنسبة بلغت 23.8% للخضار. وشملت الدراسة اللحوم الحمراء (نسبة ارتفاع بلغت 16.6%) واللحوم البيضاء (نسبة ارتفاع بلغت 6.25%) وبعض المواد التموينية كالسكر والأرز والبيض واللبن والجبنة الخاصة بالقطايف والحلويات وبنسب متفاوتة. بالمقابل، أعدت وزارة الصناعة والتجارة دراسة مقارنة لأسعار 155 سلعة تموينية خلال مارس/آذار الماضي مقارنة بفبراير/شباط الماضي، وتبين انخفاض أسعار 9 سلع، أبرزها بيض المائدة 3%-4%، وأصناف من اللحوم بنسبة 5%. وأظهرت الدراسة ارتفاع أسعار 10 سلع، أبرزها الدجاج الطازج بنسب من 8% إلى 12%، حيث تم فرض سقوف للأسعار، مما أدى إلى استقرارها -حسب الدراسة الحكومية- وبعض أصناف اللحوم بين 4% و5%، وبعض أصناف الخضار بين 6% و25%. من جهتها، تؤكد الوزارة أن "الأسعار مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، أقل بكثير وبنسبة لا تقل عن 10%". بدوره، يؤكد رئيس غرفتي تجارة الأردن وعمان، خليل الحاج عدم ارتفاع أي سلعة غذائية مستوردة، ويقول للجزيرة نت إن أسعار سلة غذاء الأردنيين العام الحالي أفضل من أسعارها العام الماضي.

ارتفاع أسعار المنتجات المحلية

ويحصر الحاج الارتفاع في أسعار الأصناف الطازجة التي تنتج محليا، مثل الخيار والدجاج واللحوم الحمراء، ويقول إن سبب ذلك "محدودية الإنتاج والطلب الكبير"، مؤكدا وجود البدائل في السوق.
ويرى أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأردنية رعد التل أن ارتفاع الأسعار يأتي في إطار السياسة الاقتصادية الكلية للدولة الأردنية، ومن منظور الطلب الكلي بوصفه محركا أساسيا للنمو الاقتصادي.  

المولد الأساسي للنمو

يفصل التل رؤيته للجزيرة نت بقوله إن أحد أهم العوامل للنمو الاقتصادي هو مقدار الطلب، وأحد أهم أركان الطلب هو الاستهلاك الخاص بالأفراد، لكن ارتفاع الأسعار وزيادة الضرائب تحدان من الطلب الكلي، باعتبار الإنفاق المولد الأساسي للنمو الاقتصادي، شأنه شأن الإنفاق الاستثماري الناتج عن القطاع الخاص أو إنفاق الحكومة على مشاريع رأسمالية. ويؤكد أن ارتفاع الأسعار يضع قيودا على هذا الإنفاق أو الطلب الكلي في الاقتصاد، مما يتسبب في إبطاء حركة النمو الاقتصادي، ويقلل من سرعته. والحل -حسب ما يراه التل- بزيادة مداخيل الناس، التي ستنتج زيادة على الطلب الكلي، وستقود إلى مستويات مستقرة من الأسعار، إلى جانب تخفيض الضريبة على مداخيل الأفراد. ويعني تحقيق النمو الاقتصادي المنشود -في نظر التل- ضرورة السيطرة على الأسعار وضبطها، "لنتمكن من تحقيق زيادة الطلب الكلي، وبما يخدم الهدف الأساسي لرؤية التحديث الاقتصادي، وهي زيادة النمو الاقتصادي إلى الأرقام المطلوبة". ومنذ أن قررت حكومة سمير الرفاعي أوائل عام 2011 زيادة رواتب الموظفين والمتقاعدين بواقع 20 دينارا شهريا (28 دولارا) ظلت رواتب الموظفين على حالها، في حين تواصل الأسعار والضرائب ارتفاعاتها المتتالية.