شهدت مصر في الآونة الأخيرة تكرار ظاهرة النصب عبر تطبيقات الاستثمار الوهمية التي تعد بأرباح سريعة ومرتفعة مقابل إبداع مبالغ صغيرة من المال
ولكن الضحايا سرعان ما يكتشفون الخديعة، بعد فوات الأوان، ليتحول الأمل في الربح السريع إلى كابوس مريع ينتهي بفقدان "تحويشة العمر"، بل أن بعضهم يجد نفسه مديونا بسبب اقتراضه أموال طائلة أملا في مضاعفة الأرباح المنتظرة
ومن آخر تلك الفصول ما حدث في قضية شركة "هوغ بول Hoggpool" للاستثمار والتي احتالت على عدد كبير من المصريين من خلال الاستيلاء على أموالهم، التي بلغت عشرات الملايين من الجنيهات
وكانت تلك الشركة قد ظهرت في شهر أغسطس من الماضي ووصل عدد المشتركين المصريين في تلك المنصة الذين اشتركوا في التطبيق 800 ألف مشترك تقريبا، في حين يقدر حجم الأموال التي جنتها ما يعادل 600 مليون دولار، على ما أفادت صحيفة "الأسبوع" المحلية
وبحسب موقع صحيفة "المصري اليوم"، فقد تقدم عضو البرلمان المصري، هشام الجاهل بطلب إحاطة بشأن النصب من قبل "هوغ بول"، مؤكدا تلقي العديد من الشكاوى بشأن تعرض المئات من المصريين لعمليات نصب
وأوضح الجاهل في طلب الإحاطة أنه بالبحث عن الشركة فقد وجد أنها قد أنشأت حسابا على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك يحمل اسم منصة "Hoogpool" للاستثمار والأرباح، وأن أحد منشورات الشركة تدعو المستخدمين للحصول على مبلغ يتراوح من 150 إلى 2000 جنيه مصري في اليوم"
وتابع: "تتدعي الشركة تأجير عددا من الماكينات والآلات الخاصة بتعدين (عملة) اليتكوين، وتعرض على المستخدمين الاستثمار في مثل هذه الماكينات (الباقات) مع عدد من الخيارات للأرباح حيث توفر خيارات تبدأ من مبلغ 10 دولارات إلى 50 دولارا، مع فوائد ربحية تبدأ من 250 جنيها مصريا في اليوم وحتى 300 جنيه"
وأضاف النائب المصري: "هذه المنصة أعلنت عن أرقام خيالية تداعب أحلام البسطاء، بعرض مكسب يومى قيمته أربعة دولارات مقابل إيداع مبلغ ألف جنيه مما أدى إلى وقوع المئات من المصريين فريسة لها"
وفي نفس السياق، قال أحد ضحايا، ويدعى أحمد زكي لموقع "القاهرة 24" أنه كان في البداية يحصل على بعض الأرباح دوريا وبشكل منتظم قبل أن يتفاجأ بإغلاق المنصة
وتابع: "اشتريت آلات تعدين (باقات) بـ 40 ألف جنيه، ثم اشتريت آلة بـ 1600 وبعده اشتريت آلتين بمبلغ 4000 و 6000 جنيه، وكان لدي رصيدي بالتطبيق يعادل نحو 40 ألف جنيه"
وقال شخص آخر لنفس الموقع: "المنصة كان يتواجد فيها 800 ألف مشترك"، مردفا: "أنا وضعت 40 ألف جنيه ونفس المبلغ وضعته كل من زوجتي وابنتي ، ولم نفكر في سحب المبلغ قبل أول الشهر حتى لا نخسر نسبة 15 بالمئة"، بيد أنه فوجئ بإغلاق الشركة في السابع والعشرين من شهر فبراير الماضي
وفي تصريحات عبر بث مباشر على موقع "بصراحة نيوز" على موقع فيسبوك، قال أحد الضحايا من حي إمبابة بمحافظة الجيزة: "أنه خسر ما يعادل 24 ألف جنيه، لافتا إلى إلى أن هناك أنواع من الماكينات (الباقات) وكل مكنة له سعر وبالتالي ربح معين"
ونبه الشاب إلى أن "القائمين على التطبيق كان لديهم أساليب تسويق ودعاية من إقامة حفلات وولائم عشاء لجذب أكبر عدد ممكن من المستثمرين"
وقال المحامي، وائل أبو جوجة لنفس الموقع: "إن العديد من أبناء الحي قد تواصلوا معي بعد اكتشاف الخديعة، وسوف أتقدم ببلاغ لمكتب النائب العام وأظن أن الحكومة سوف تتحرك لحماية هؤلاء الضحايا لتوفر حسن النية ولأن التطبيق لم يتم حظره في مصر بالإضافة إلى وجود تعاون من قبل شركة (فودافون كاش) للتحويلات المالية"
وتابع: "الخطأ الذين وقع فيه المشتركون هو عدم تأكدهم من وجود مقر للشركة على أرض الواقع وأنها مسجلة في هيئة الاستثمار، وقد جرت حوادث مأساوية بسبب هذا الاحتيال، فمثلا أحدهم رمى زوجته من نافذة المنزل، محملا إياها مسؤولية إقناعه في استثمار أمواله في ذلك التطبيق"، حسبما ذكر
الغرق في "الرمال البيضاء"
وكان العام الماضي قد شهد نهاية حادثة مشابهة، ولكن مع شركة أخرى عرف تطبيقها باسم "وايت ساندز" أو الرمال البيضاء، حيث خسر ملايين من المشتركين مبالغ طائلة
ووفقا لموقع "صدى البلد"، فقد انتشر تطبيق الرمال البيضاء في مصر منتصف شهر أكتوبر 2021، وقام بعض المؤثرين بالترويج للتطبيق الجديد عبر مجموعة فيديوهات تشرح كيفية الربح من التطبيق للمستخدمين
وتتركز آلية عمل التطبيقعلى طريقتين الأولى نظام الشجرة العمودي يحصل فيها المستخدم على 15% من قيمة اشتراك كل عضو جديد، بالإضافة إلى 5% من قيمة اشتراك المشتركين الباقين، والثانية عبر إتمام "المهمات اليومية"
وخلال شهرين فقط تمكن تطبيق "الرمال البيضاء"، من ضم 6 ملايين مشترك، حيث تتراوح قيمة الأموال التي جرى جمعها من اشتراكات المستخدمين ما بين 3 و5 مليار جنيه مصر، ووقتها كان الدولار أقل من 18 جنيه، في حين أنه قفز فوق 30 جنيها خلال شهر فبراير الماضي
ومع بداية العام 2022، توقف سحب الأرباح في الموقع، وقام المشرفين على التطبيق بالنصب على المستخدمين وتحويل الملايين من الجنيهات إلى عملات رقمية مشفرة وتهريبها للخارج
وفي هذا السياق، نقلت صحيفة "الشروق" عن شاب عشريني عرف نفسه باسم محمود (اسم مستعار) يعمل في التسويق والتصميم عبر الإنترنت أن تجربته استمرت مع التطبيق لمدة 3 شهور بدأت من انطلاقته، وحتى اختفائه في يناير من العام الماضي، مشيرا إلى أن خسائره وصلت وقتها إلى 60 ألف جنيه
وتابع: "أنا في مجموعة بها 41 شخصا تم النصب عليهم من جانب التطبيق، إجمالي خسائر المجموعة تجاوزت نصف مليون جنيه"
وكان محمود قد ولج إلى التطبيق في شهر أكتوبر من العام 2021، وبحسب كلامه كانت الأمور على ما يرام، حيث كان ينفذ المهمات المطلوبة من قبل إدارة التطبيق، في مقابل حصوله على الأموال، وأنه ظل الأمر منتظماً حتى بدأ يلاحظ تأخر التحويلات المالية يوماً وراء الآخر، ما دفعه للتحري عن التطبيق فوجد أنه وهمي ولا يتبع أي جهة معتمدة
وفي النهاية اختفى التطبيق وأغلق الموقع تماماً، ولم يجد الشاب أي طريقة لاسترداد أمواله
"المستريحون".. وطعم الأرباح الهائلة
وتزامن ذلك أيضا مع ظاهرة "المستريحين" والتي اشتقت اسمها نتيجة لتسمية سابقة لمحتال ظهر في صعيد مصر، في العام 2015 وكانت شهرته "أحمد المستريح"
ويستخدم المستريح عادة طعم "الأرباح الشهرية الضخمة" لجمع الأموال من المواطنين، قبل أن يهرب بعد الاستيلاء على أموال ضحاياه
وكانت السلطات قد اعتقلت في الآونة الأخيرة العديد من المحتالين الذين ينتمون إلى "فئة المستريحين"، ولعل أبرزهم المقلب بـ"مستريح أسوان" أو"مصطفى بنك"، والذي ذكرت بعض التقارير أن جملة ما ا أخذه من المصريين الذي تعاملوا معه قد زادت عن ملياري جنيه
وبحسب خبراء اقتصاديين فإن ظاهرة "المستريح" التي ظهرت في الأعوام الأخيرة تعد امتدادا لما شهدته مصر خلال سبعينات القرن الماضي بما كان يعرف بـ"الشركات الإسلامية لتوظيف الأموال"، والتي كان يديرها شخصيات محسوبة على التيار الإسلامي
بين الجشع والفساد
وفي حديثه إلى موقع الحرة يرى الباحث والخبير الاقتصادي، رشاد عبده، أن ظواهر الاحتيال ناجمة عن الجشع بالدرجة الأولى، مضيفا: "هناك أشخاص يطمعون جدا بالأرباح الكبيرة وهذا خطأ كبير سوف يؤدي إلى تكبدهم كوارث مادية"
وتابع: "هناك بنوك تقدم شهادات بفوائد 25 بالمئة فماذا يريد الباحث عن الربح أكثر من ذلك؟.. وبالتالي فإن من يتعامل مع هؤلاء المحتالين هم صنفين أول الجشع جدا وقد تحدثنا عنها، و الصنف الثاني يتمثل في أشخاص فاسدين لديهم أموال مشبوهة ويريدون استثمارها بعيدا عن أعين الدولة"
وضرب الخبير الاقتصادي مثلا، فقال:"كان عندي زميل (غلبان) وبالكاد يملك قوت يومه ولكن والده كان قد تسلم منصب يشبه رئيس بلدية أو مدينة أن صح التعبير، وفور تخرج هذا زميل كان لديه 4 شركات وبالمثل لثلاثة من أشقائه مع أن مرتب والده لم يكن يملك سوى مرتبه"
وأردف: "لم يظهر هذا الفساد إلا بعد أن تقاعد الأب، ولكن في النظم المتقدمة يتم محاسبة الموظفين والمسؤولين حتى بعد إحالتهم على المعاش، وبالتالي يمكن القول أن الجشع والفساد وضعف الدور الرقابي للحكومة يؤدي إلى نشوء مثل تلك الظواهر في المجتمع"
وكان الباحث في الشأن الاقتصادي، وليد فاروق، قد ذكر في وقت سابق لموقع "الحرة"، إن السبب في تفشي ظاهر النصب على الناس هو نقص الوعي لدى المواطنين، مما يمكن "المستريح" من التغرير بهم و إيهامهم بتحقيق مكاسب وأرباح سريعة
وأشار إلى عدة أسباب لتنامي الظاهرة، ومنها انخفاض أسعار الفائدة في البنوك، بجانب ارتفاع معدلات التضخم وزيادة الأسعار، فضلاً عن ركود الأسواق، مما دفع المواطنين للبحث عن سبل تعويضية أخرى لزيادة مداخيلهم
سباق بين الوعي والجهل
وفي معرض تعليقها على هذا الظواهر، تقول الباحثة الاجتماعية والأستاذة الجامعية، د. سامية خضر، لموقع الحرة: "لعل أبرز العوامل التي تساعد تؤدي إلى وقوع الضحايا من البسطاء في براثن المحتالين لاسيما مايعرفون بـ(المستريحين) هو انتشار الجهل والأمية بنسبة كبيرة في الأرياف والنجوع، ولعدم وجود دور قوي ومؤثر لوسائل الإعلام المحلية في توعية الناس بمثل هذه المخاطر"
وأضافت: "للأسف هؤلاء الناس البسطاء أو أصحاب التعليم البسيط أصبحوا يقعون فريسة سهلة لمثل هذا الأنواع من الاحتيال، خاصة مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي التي لا يمكن فرض رقابة على محتواها، وبالتالي فإن الحل يكون في التوعية"
وتابعت: "في المدارس يمكن توعية التلاميذ والمراهقين حتى لا يقعوا في هذا المكائد عندما يشبون عن الطوق، كما يمكن لمنظمات المجتمع المدني أن تساهم في عمليات النصح والإرشاد، فمثلا المجلس القومي للمرأة قادر على إرسال متطوعات يستطعن بسهولة دخول بيوت البسطاء والعامة والتحدث مع ربات المنازل بغرض توعيتهن، ومن ثم تقوم تلك النسوة بنقل الصورة الصحيحة لأزواجهن وابنائهن"
ولفتت خضر أيضا إلى أهمية الدور الذي يمكن أن يلعبه رجال الدين من مسلمين ومسحيين في مجتمع محافظ مثل مصر بما لهم تأثير كبير وقدرة على الإقناع
من جانبه، قال أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأميركية في القاهرة، سعيد صادق، لموقع "الحرة" في تقرير سابق إن "غالبية هؤلاء المحتالين يمارسون نشاطهم في المناطق الريفية حيث ينتشر الجهل بين البسطاء من الناس"، مشيراً إلى أن الكثير من سكان الريف لا يثقون في البنوك أو يرون أن فوائدها "حرام"، لذلك يحتفظون بأموالهم في المنزل
وأكد أستاذ علم الاجتماع أن المحتالين يستغلون ذلك، ويبيعون لهؤلاء البسطاء وهم تحقيق "مكاسب حلال أعلى من مثيلتها في البنك"
وتابع صادق، قائلا: "لذلك لجأت الدولة المصرية في ذلك الوقت إلى حملات الشمول المالي لجذب المواطنين للانضمام للبنوك"