تتكئ الإذاعة الأردنية على رصيد غني يسندها من أداء إذاعة القدس ورام الله مرورا بإذاعة جبل الحسين وصولا إلى الإذاعة الأردنية الكبرى، والتي وثقت أشواق الناس وأحلامهم وآمالهم وصبرهم، ورواية حكايات أزمنة مختلفة، وبقيت شاهدة على أحوال المجتمع الأردني وتحولاته، وعلى تاريخ عريق في التأسيس والبناء والازدهار.
ولعلّ كلمة المغفور له الملك الحسين بن طلال –طيب الله ثراه- تتردد صداها عند افتتاحه في مثل هذا اليوم الأول من آذار لعام 1959 مبنى إذاعة المملكة الأردنية الهاشمية في موقعها الحالي في منطقة أم الحيران، قائلا: "إن الأردن اليوم، وهو يصغى إلى صوته الحي المنافح عن حياض العروبة والإسلام ويحمل في ثناياه صور المجد، وتشع من أعماقه هالات القداسة وأنوار الهواية، إنما يجد نفسه قادرا على إنارة الطريق إمام السائرين، وإضاءة السبل إمام السالكين، وسبيله هو سبيل الرحمن، ودعوته الخيرة، وحدة وتراحم وإخاء".
كانت الإذاعة مرتبطة إداريا برئاسة التوجيه الوطني التابعة لرئاسة الوزراء، وعند تأسيس وزارة الإعلام عام 1964 أصبحت إحدى الدوائر المستقلة المرتبطة بوزير الإعلام وفي عام 1985 صدر قانون مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الذي تم بموجبه دمج الإذاعة والتلفزيون في مؤسسة واحدة سميت مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الأردنية.
مختصون ومؤرخون وثقوا تاريخ الإذاعة بمناسبة عيدها الـ 64، ودورها في صناعة هوية وطنية أردنية راسخة، فهي محل اهتمام رأس الدولة، فكانت جزءا من منتدى سياسي وثقافي وفكري وتوعوي، فهي بامتياز تعد مركزا ثقافيا وتنويريا وحاضنة للتوجيه الوطني.
مدير إذاعة المملكة الأردنية الهاشمية مهند الصفدي، يبين أن الإذاعة شكلت أداة تنموية وسياسية في يد الدولة، وقدمت العديد من المساهمات إعلاء لصوت الحق، وانطلاقا من رسالة تنبثق من ثوابت الدولة الأردنية والعربية والثقافية.
ويوضح أن الإذاعة تعتمد في عملها على أسس وقواعد مضامين الخطاب الإعلامي للدولة الاردنية، ونقل رسالة الأردن وصورته الحضارية، ومحاربة التطرف والإرهاب، وتعزيز قيم الوسطية والاعتدال، كما تبذل قصارى جهدها للوصول الى كل ما يسهم في تعزيز بناء الدولة الأردنية الحديثة.
ويضيف، ان الإذاعة تتابع آخر المستجدات وتطوير أدائها في وقت يتسم فيه التسارع الإعلامي الشديد والمنافسة الإعلامية، ومن هنا فأنها قدمت وتقدم رسالتها الإعلامية عبر الإذاعات المنبثقة عنها اذاعة البرنامج العام واذاعة القران الكريم وراديو عمان اف ام والإذاعة الأجنبية واذاعة اربد الكبرى من خلال برامجها واخبارها وتعليقاتها مؤثرة بذلك في المجتمع المحلي والعربي .
ويشير إلى أن الرواية الإعلامية للإذاعة دائما ما كانت ومنذ التأسيس تتسم بالموضوعية والحيادية والشفافية في نقل ومواكبة الأحداث فسعت عبر تبنيها لما سبق في المساهمة بإحلال السلم المجتمعي وراعت وأكدت على الحقوق الأساسية والإنسانية للمواطنين بما فيها حقوق المرأة والطفل عبر برامجها المهنية وحواراتها مع كافة فئات وأطياف المجتمع وضيوفها عبر الأثير من الخبراء والمتخصصين وفي نشراتها وتقاريرها الإخبارية وفتراتها الغنائية ، فكانت الذراع الإعلامية للدولة الأردنية وأداة من أدوات الحكم الديمقراطي المتزن للدولة الأردنية واحد دعائم بناء الاستقرار المجتمعي والوطني، بحسب الصفدي.
ويلفت في هذا الصدد إلى دور الإذاعة الناطقة باللغة الانجليزية، في مخاطبة المتحدثين بهذه اللغة سواء من أبناء المجتمع المحلي أو الجاليات العربية والأجنبية، إضافة إلى الدبلوماسيين، إذ تقدّم على مدار الساعة من خلال برامجها ونشرات الأخبار مواقف الأردن السياسية حيال جميع القضايا المحلية والعربية الإقليمية والدولية، وشرح سياسته المعتدلة ورسالته النهضوية على جميع الصعد، وتغطية المهرجانات الثقافية والفنية للهيئات الدبلوماسية الأجنبية ومراكزها الثقافية، بالإضافة إلى ترويج الأردن سياحيا.
ويوضح أن الإذاعة عضو مؤسس في اتحاد الدول العربية وعضو عامل في اتحاد الإذاعات الأوروبية، وعضو مشارك في منظمة الإذاعات الإسلامية واتحاد الإذاعات الأسيوية ومنظمة الإذاعة لدول عدم الانحياز، وتحرص الإذاعة على إنتاج البرامج الإذاعية المشتركة في مختلف المجالات مع إذاعات الدول العربية الشقيقة، وبث البرامج الخاصة بمناسبات هذه الدول، والمشاركة في التظاهرات الثقافية وإجراء اللقاءات الخاصة بعواصم الثقافة العربية والإسلامية والسياحية والإعلامية.
أحد رواد الإذاعة الأردنية وهو الإعلامي الدكتور محمد أنيس المحتسب، قال إن الإذاعة استطاعت- مستلهمة ومترجمة للرؤية الملكية - بناء نظام إعلامي أردني يشكل ركيزة لتحقيق التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، موضحا أن القيادة الأردنية الرشيدة آمنت أن بناء الدولة لا يمكن أن يكون دون بناء إعلام يشجع التعددية واحترام الرأي والرأي الآخر، من خلال عرض وجهات النظر المختلفة في مناخ من الاستقلالية والحرية المسؤولة.
ويشير إلى أن الإذاعة وبتوجيهات القيادة الهاشمية منذ الملك المؤسس عبد الله الأول والحسين الباني وصولا إلى جلالة الملك عبد الله الثاني حرصت على أن يكون الإعلام الأردني إعلام دولة لا إعلام حكومات، فالدولة باقية وثابتة، والحكومات متغيرة وراحلة، وعليه فلابد أن يكون الإعلام معبرا عن الوطن بفئاته وأطيافه كافة، يعكس إرادته وتطلعاته، ويمارس بمهنية عالية وتميز وإبداع في نظام متزن بين الحرية والمسؤولية، وفقا للمحتسب.
ويقول: "إذا جاز لنا في هذه المناسبة أن نتحدث ونوثق للإذاعة، فإنه لابد من الانطلاق من البداية، والبداية من إذاعة القدس، لأنها كانت بداية المشوار في العمل الإذاعي تأريخا ورجالات حملوا شعلة العمل في منتصف الثلاثينيات من القرن الماضي، واستمروا جيلا وراء جيل وموقعا إلى موقع، بدءا من القدس ومرورا برام الله، ومن ثم في جبل الحسين في عمان، وختاما في الإذاعة الأم والمدرسة الإعلامية المتميزة في منطقة أم الحيران في عمان".
ويقول الباحث والأديب نايف النوايسة: لقد كانت أولى الإذاعات التي كنت أتابعها منذ كانت في رام الله وما زلت طفلاً انتقلت إلى عمان واستقرت في جبل الحسين سنة 1956، كما تابعت انتقالها إلى مقرها الجديد في أم الحيران عام 1959، وكان أكثر ما يجذبني إليها حرصها على بث برامج ومسلسلات وأغاني شعبية كنا نتمثلها ونرددها.
ويشير إلى أن الإذاعة كانت الحاضنة الأولى لنشأة الأغنية الأردنية والدراما الإذاعية، فقد كانت الإذاعة ورشة فنية مبكرة في جمع التراث الغنائي الشعبي الأردني وإعادة إنتاجه على شكل ألوان متعددة من الغناء الوطني والشعبي.
ويلفت إلى تألق مذيعين بأصواتهم عرفهم جمهور المستمعين آنذاك وهم: حيدر محمود وإبراهيم الذهبي وإبراهيم شاهزادة وعبد القادر الكردي وطارق مصاروة وعلي أسعد وسامي حداد وجبر حجات وعدنان الزعبي وكوثر النشاشيبي وسوسن تفاحه وجمانه مجلي وفريال زمخشري وعائشة التيجاني وزهور الصعوب وسمراء عبدالمجيد.