بعد هزات عدة تعرض لها لبنان وخاصة مدينة طرابلس شمال البلاد، لقربها من مركز الزلازل بتركيا وسوريا، خرج معظم السكان إلى الشوارع خشية تساقط مبانيهم المتهالكة، مطالبين السلطات المحلية بإجراء مسوح ميدانية عليها.
وملأت التصدعات جدران وأسقف العديد من المباني، بعدما وصلت ترددات الزلزال إلى مدن رئيسية في لبنان، كالعاصمة بيروت وطرابلس، إلا أنه بسبب الأزمة الاقتصادية في البلاد لم يجرِ إصلاح المباني.
ويعاني اللبنانيون منذ عام 2019 أزمة اقتصادية طاحنة غير مسبوقة، أدّت إلى انهيار قياسيّ في قيمة الليرة، فضلا عن شح الوقود والأدوية وتراجع القدرة الشرائية.
وصباح الأربعاء، قال المعهد الأورومتوسطي لرصد الزلازل في لبنان، إن هزة أرضية بقوة 4.2 درجات، ضربت شرق البحر المتوسط قبالة ساحل البلاد الجنوبي، تأثر بها كل من لبنان وفلسطين.
والاثنين، أعلنت إدارة الطوارئ والكوارث التركية "آفاد"، أنّ زلزالين وقعا في هاتاي، الأول بقوة 6.4 في منطقة ديفني، والثاني بقوة 5.8 في منطقة سمنداغ.
وفي 6 فبراير/ شباط الجاري، ضرب زلزال مزدوج جنوبي تركيا وشمالي سوريا، الأول بقوة 7.7 درجة، والثاني 7.6 درجة، تبعهما آلاف الهزات الارتدادية العنيفة، ما أسفر عن خسائر بشرية ومادية كبيرة في البلدين.
** مسح رسمي
والإثنين، كلفت رئاسة حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، وزير الداخلية بسام المولوي، بالتواصل مع البلديات في مختلف المناطق، وذلك لمسح المباني المتصدعة بشكل رسمي.
وتسعى الخطوة إلى حث البلديات على تزويد الوزارة بملفات للأبنية المتضررة بسبب الزلزال الذي حصل في تركيا وسوريا، والهزات الأرضية التي حصلت في لبنان في اليوم نفسه.
فيما طالب وزير الاشغال والنقل علي حمية، بضرورة التشدد من قبل التنظيم المدني بالنسبة إلى مواصفات الزلازل للأبنية التي ستنفذ، والتسريع والتنسيق مع البلديات والأجهزة الأمنية بالنسبة إلى تسريع المعاملات في التنظيم المدني.
وتأثر لبنان بمعظم الزلازل القوية التي ضربت تركيا، إذ يشتركان في حدود بحرية واسعة، كما يتصلان بريا عبر سوريا، إضافة إلى التقاء فالق شرق الأناضول المار بجنوبي التركية، مع صدع البحر الميت المار بلبنان.
** لبنان يتأثر
وفي هذا السياق، قال الأستاذ والباحث في الجوفيات وعلم الزلازل عطا إلياس، إن "لبنان يتأثر بالزلازل التي تحصل في تركيا، وشعر اللبنانيون بما حدث (زلزال الإثنين)، أكثر من الزلزال الماضي (6 فبراير)".
وأضاف إلياس، للأناضول، أن "تأثر لبنان يأتي حسب مدى قوة الزلزال وبعده عن أراضيه، فقسم من فالق شرق الأناضول يبعد 150 كلم عن لبنان، وآخر يبعد 300 كلم، وكلما تحرك القسم الأقرب يتأثر لبنان".
وعن احتمال وقوع زلازل بتركيا ومناطق أخرى، بيّن إلياس، أنه "ليس هناك سبب له، على الأقل ليس بالقريب العاجل، وممكن مع الوقت نشهد تطور الحركة الزلزالية التي تمر في لبنان".
وتابع: "هذه المنطقة زلزالية، ومن الطبيعي تكرار الهزات، لأننا في منطقة تاريخها زلزالي، وهذه المرة تحرك في كهرمان مرعش (تركيا)، ما يعني أن هذا الفالق لم يعد يشكل خطرا في المستقبل، لأنه أدى إلى دمار هائل رأيناه".
** تضرر المباني
من جهته، قال المهندس المدني في طرابلس فادي عبيد، إن "كثيرا من المواطنين أصبح لديهم هلع وخوف بعد زلزال تركيا، وبدأوا يطالبون بالكشف على صلاحية منازلهم".
وأضاف عبيد، للأناضول، أن "عمر المباني في المدينة يعود إلى مئات السنوات، وبينها مبان أثرية وأخرى متوسطة الحداثة بنيت مطلع القرن التاسع عشر، وهي مهددة بسبب الحركات الزلزالية".
وأشار إلى "دراسة أجرتها نقابة المهندسين (اللبنانيين)، قبل حصول الزلزال (في 6 فبراير) في تركيا، أحصت وجود 700 مبنى بحاجة إلى إعادة ترميم وتدعيم في البلاد".
واستدرك: "لكن السكان بسبب الأزمة الاقتصادية، التي طالت معظمهم، يلجؤون إلى إصلاح الأشياء البسيطة، أما التي تحتاج إلى تكاليف باهظة، فلا يقومون بإصلاحها، قائلين: لنمت بمنازلنا".
كما أن "البلدية في طرابلس ليس لديها الأموال الكافية لمساعدة السكان على إعادة ترميم هذه الأبنية، بسبب الوضع الاقتصادي الصعب، لذلك نحن أمام خطر كبير بسبب غياب الحلول البديلة"، وفق عبيد.
وأوضح أن "نقابة المهندسين شكلت لجانا تطوعية للكشف على المباني (بعد الزلزال)، فوجدت أن الكثير منها لا يصلح للسكن"، محذرا من "خطر كبير في حال جاءت هزة قوية".
وتابع: "نتيجة الكشوفات موجودة، فهناك بعض المباني يحتاج إلى ترميم بسيط، نتيجة التشققات التي لا تؤثر على هيكل المبنى، وأخرى مصابة بتشققات خطرة تهدد بسقوط المبنى".
وحتى الآن، وفق عبيد، "طلبت اللجنة منذ بدأت الكشف على المنازل الأسبوع الماضي، إخلاء 10 مبان، لعدم صلاحيتها للسكن، عقب سلسلة الهزات التي مرت على البلاد".
كما "طلبت بلدية طرابلس من البعض إخلاء منازلهم، لكن أصحاب المنزل لا يملكون البديل للذهاب إليه، كما أن البلدية غير قادرة على تأمين منازل أخرى لهؤلاء"، حسب المهندس اللبناني.
** مطالب بالكشف
وقال فؤاد يوسف، أحد سكان منطقة القبة بطرابلس: "نعيش في قلق وخوف شديدين، أول هزة زعزعت المنزل والثانية أسقطت علينا قطع أسمنتية من السقف، كما أن الجدران فيها تشققات كثيرة، ومن الممكن سقوطه في أي وقت".
وناشد يوسف، خلال حديثه للأناضول، "المعنيين بالكشف على منزله إذا كان صالحا أم لا"، مشددا على رغبته في "العيش بأمن وسلام، وعدم الخروج إلى الشارع عند كل هزة".
أما المواطن عدنان العبد الله، فقال: "في الهزة الأولى (6 فبراير) حصلت بعض الأضرار القليلة في سكني، ولكن في الثانية (20 فبراير) حدثت أضرار أكبر والمبنى لم يعد صالحا للسكن، وأي هزة جديد ربما ينهار فورا فوق رؤوسنا".
وأوضح العبد لله، للأناضول، أن "معظم السكان في هذا المبنى من الأطفال والنساء والمرضى"، مطالبا المنظمات الإنسانية بمساعدتهم للكشف على صلاحية المبنى.
بدروها، قالت هناء الزعبي، إن "أسرتها باتت ليلة الاثنين في الشارع بعد اهتزاز منزلهم، وبدأت التشققات تظهر عليه"، مضيفة للأناضول: "نحن لدينا أطفال، لا نستطيع أن نتحمل هذا الرعب".
من جهتها، روت الطفلة شيرين (6 سنوات)، ما حدث ليلة الزلزال، فقالت: "كنا نجلس في الغرفة عند حصول الهزة التي جاءت قوية جدا، وفورا نزلنا إلى الشارع، وبتنا مع أهلي في السيارة".