عاش الأردنيون خلال شهر شباط الجاري، حالة من الخوف والذعر جراء الزلازل والهزات التي ضربت كل من سوريا وتركيا وفلسطين، وخلفت آلاف الضحايا والمشردين دون إيواء، ما فتح الباب أمام التكهنات حول مأمونية ومقاومة الأبنية للزلازل في الأردن.
المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات أصدر استراتيجية، حديثا، يقول فيها إن تأثير خطر الزلازل يمكن أن يؤدي إلى نتائج كارثية عندما تتجاوز قوته أكثر من 6 درجات على مقياس ريختر.
ويضيف المركز، أن معظم المدن والمناطق المأهولة في الأردن (أكثر من 90 بالمئة من السكان) تقع على مسافة قريبة من المصدر الرئيس للنشاط الزلزالي في الأردن.
فيما يؤكد امين سر مجلس البناء الوطني الأردني الدكتور عبدالله قطيشات أنه في حال تطبيق كل الاشتراطات في كودة المباني المقاومة للزلازل والالتزام بها من ناحية التصميم والتنفيذ وجودة المواد الانشائية يضمن ذلك حماية المبنى من الزلازل.
ويبين الدكتور قطيشات في ذات الوقت، أنه وفي حال وجود أي خلل في الإجراءات المتبعة خلال انشاء مبنى او عدم اتباع الإجراءات وفق الأصول يمكن ان يؤدي ذلك لمشاكل في المبنى.
بينما الخطر بالنسبة لرئيس هيئة المكاتب والشركات الهندسية عبد الله غوشة، يكمن في 23 بالمئة من الأبنية القائمة في الأردن، ولا سيما أنها تعد بؤر ساخنة بسبب انتهاء عمرها الافتراضي وتحتاج إلى اهتمام كبير وإصلاحات.
ويستذكر غوشة تشكيل لجنة حكومية معنية بالأبنية القديمة في عام 2018 وما تلاها في حادثة انهيار عمارة اللويبدة غير أن الجهات الحكومية كل طرف فيها ترميها على الأخرى.
** 90 بالمئة من سكان الأردن يقطنون على بعد مسافة قريبة من المصدر الرئيس للنشاط الزلزالي
قال المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات، في استراتيجية صدرت حديثا، إن معظم المدن والمناطق المأهولة في الأردن (أكثر من 90 بالمئة من السكان) تقع على مسافة قريبة من المصدر الرئيس للنشاط الزلزالي في الأردن.
وأضاف المركز، في الاستراتيجية الوطنية للحد من مخاطر الكوارث (2023-2030) والتي حصلت على نسخة منها عمون، أن تأثير خطر الزلازل يمكن أن يؤدي إلى نتائج كارثية عندما تتجاوز قوتها أكثر من 6 درجات على مقياس ريختر.
وبين، أن الصدع التحويلي الأردني يعد المصدر الرئيس لحدوث الزلازل في الأردن، والذي يمتد من خليج العقبة جنوبا وحتى شمال سوريا على الحدود التركية، ويتكون من أجزاء رئيسية من بينها خليج العقبة ووادي عربة ووادي الأردن.
وأوضح، أنه بناء على المعلومات التاريخية والطبيعة التكتونية لهذا الصدع، فإن النشاط الزلزالي في الأردن يمكن وصفه بالمستوى المتوسط (يمكن أن يؤثر على فترات زمانية بعيدة إذا ما قورنت بمناطق أخرى في العالم.
ضربـت المنطقـة (علـى مـدى التاريـخ الموثـق - منـذ حوالـي 2000 سـنة) مجموعـة مـن الزلازل المدمـرة (تقـدر بحوالـي 20 زلـزال مدمـر) والتـي خلفـت خسـائر بشـرية وماديـة كبيـرة، وكان أقربهـا لنـا زلـزال عـام 1927. ويعتبـر زلـزال نابلـس الـذي حـدث بتاريـخ 11 تمـوز 1927 ،آخـر زلـزال مدمـر ضـرب الأردن وفلسـطين، والـذي بلغـت شـدته 6.25 درجـة على مقيـاس ريختر، وقـد تـم تحديـد مركـزه الحقـً قـرب جسـر داميـة فـي غـور الأردن (علـى الصـدع التحويلـي الأردني - المصـدر الرئيـس للزلازل فـي المنطقـة) علـى بعـد 25 كيلـو مترا شـرق نابلـس، حيث انتشـرت آثـاره التدميريـة علـى امتـداد المناطـق الواقعـة ضمـن أواسـط كل مـن فلسـطين والأردن غـرب نهـر الأردن وشـرقه علـى حـد سـواء وبلـغ عـدد الضحايـا الذيـن خلفهـم الزلـزال حوالــي 325 وفــاة مــع تركــز الإصابات والخســائر فــي منطقتــي نابلــس والســلط، وفق الاستراتيجية.
كمـا تسـبب زلـزال 22 تشـرين الثانـي مـن عـام 1995 والـذي كان مركـزه يقـع علـى بعـد 90 كـم جنـوب مدينـة العقبة بشـعور قـوي في جميـع أنحـاء الأردن، وخاصـة المناطـق الجنوبية، فعلـى الرغـم مـن عـدم الإبلاغ عـن أي وفيـات بسـبب هـذا الزلـزال، إلا أن الذعـر والارتباك أثـار المزيـد مـن الاهتمام بالتأهـب والحـد مـن مخاطـر الزلازل.
وتطرقت إلى أن زلـزال عام 2004، من أكبر الزلازل التي حدثت خلال العقود الماضية في حوض البحر الميت، والذي حدث على عمق 21 كم، وبقوة 5 درجات تقريبا على مقياس ريختر. فعلى الرغم من الآثار التدميرية كانت في حدها الأدنى، ألا أن حالة الرعب والذعر - خاصة بين المواطنين كانت شديدة.
**كودة محدثة للمباني المقاومة للزلازل
امين سر مجلس البناء الوطني الأردني الدكتور جمال قطيشات قال، إن اشتراطات الخاصة بالمباني المقاومة للزلازل تم إصدارها في عام 1993 ضمن كودة الاحمال والقوى.
وأضاف الدكتور قطيشات، أن مجلس البناء والذي يراسه وزير الاشغال العامة والإسكان يناط به اصدار كودات البناء في مختلف المجالات الهندسية ومن ضمنها كودت المباني المقاومة للزلازل، مشيرا إلى أنه في عام 2005 تم اصدار كودة المباني المقاومة للزلازل تتضمن خريطة زلزالية للأردن وقد قسمت الأردن الى 4 مناطق من حيث الشدة الزلزالية وفي 2008 تم اصدار متطلبات الأبنية العالية والمرتفعة.
"وفي عام 2022 اصدر مجلس البناء الوطني كودة محدثة للمباني المقاومة للزلازل وذلك وفق احدث الممارسات الهندسية العالمية بما يتعلق بمقاومة الأبنية للزلازل ووضع خارطة الخطورة الزلزالية المرفقة فيها"، بحسب قطيشات الذي أشار إلى أن الخارطة الزلزالية والتي بنيت على جميع البيانات المتعلقة بالزلازل التاريخية ونوعية التربة والبعد عن الصدوع وفالق البحر الميت ونتائج دراسات تمت لبعض المدن والمناطق الاردنية حيث جرى تم تقسيم المملكة لمناطق حسب الخطورة الزلزالية ضمن احداثيات لكل منطقة إذ أنه كل ما كان البناء قريبًا من صدع البحر ميت تعطي مؤشر اعلى وكل ما اتجهنا لشرق يكون الخطر اقل، وذلك حسب نوعية التربة وارتفاع المبنى والاشتراطات التي يجب ان يتم البناء فيها.
وشدد على أن أهمية الكودة الجديدة يكمن من ناحية وضع المحددات لرفع قدرة المباني القائمة لمقاومة الزلازل من خلال رفع قدرتها الانشائية، مشيرا إلى أن المباني الحجرية ذات الواجهات الحجرية بعد طوابق محدد ووجود اشتراطات مثل وجود جدران الدرج المسلحة ووجود تناظر وذات الفتحات المحددة واشتراطات أخرى تتعلق بالأعمدة ونوعية التربة المؤسس عليها تعطي مؤشر يحقق الحد الأدنى للمباني المقاومة من الزلازل ضمن مناطق معينة.
وأكد أنه في حال تطبيق كل الاشتراطات في الكودة والالتزام بها من ناحية التصميم والتنفيذ وجودة المواد الانشائية يضمن ذلك حماية المبنى من الزلازل.
وعن تنفيذ مباني القطاع العام، قال الدكتور قطيشات إن تنفيذها يجري وفق الكودات الهندسية ويتم الاشراف والرقابة عليها والتأكد من تنفيذ المبنى، مع إجراءات ضبط الجودة.
وعن مباني القطاع الخاص، أشار إلى أنه يحكمها قانون نقابة المهندسين حيث أنه من المفروض ان يقوم المكتب الهندسي بإعداد المخططات والتصاميم وفق الكودات الهندسية المعمول بها، لافتا إلى أن النقابة يجب أن تقوم بالتأكد من المخططات وتدققها، وانشاء البناء من خلال مقاول مصنف شريطة ان يتم الاشراف على تنفيذه من خلال مكتب هندسي للتأكد من ان ما تم تنفيذه على ارض الواقع مطابق للكودات الهندسية وفي حال اتباعها وفق الأصول سيكون المبنى امن من الزلازل.
وبين أنه وفي حال وجود أي خلل في الإجراءات المتبعة خلال انشاء مبنى او عدم اتباع الإجراءات وفق الأصول يمكن ان يؤدي ذلك لمشاكل في المبنى.
وبين أنه يوجد في الأردن مبان قائمة منفذه منذ سنوات نفذت ضمن الأصول ومخططات هندسية ولا يوجد بها أي مشاكل إنشائية.
ونوه إلى أن المباني العشوائية التي لا يوجد لها سيرة ذاتية إنشائية والتي يتم التعديل عليها دون دراسة هندسية او اشراف هندسي تشكل خطورة في حال حدوث الزلازل، لافتا إلى أن مجلس البناء الوطني اصدر تعليمات فيما يتعلق بالأبنية القائمة وفي حال اذا أراد المالك التعديل او الإضافة او التغير يجب ان تحكمها الكودات الهندسية ومعرفة الأثر الانشائي على المبنى.
ودعا المواطنين في حال الرغبة بالتعديل على المباني القائمة إلى أن يكون ذلك التعديل محكوم بعمل هندسي ضمن المخططات والكودات لضمان سلامة المباني.
ولفت إلى أنه صدر نظام الرقابة والتفتيش على المباني في عام 2020 وفق قانون البناء الوطني الأردني للتفتيش على المشاريع قيد التنفيذ من خلال المجلس دون الاخلال بمسؤوليات الجهات المتابعة للمشروع سواء المنفذة او المشرفة او المانحة للتراخيص حيث تم الكشف على 1687 مشروعا وجرى تصويب مجموعة كبيرة من المخالفات المسجلة فيما يتم الكشف من قبل لجان السلامة على المباني القائمة المتضررة.
**31 بالمئة من المباني شيدت قبيل "كود الزلازل"
كشف المهندس عبدالله غوشة رئيس هيئة المكاتب والشركات الهندسية أن 23% من المباني في الأردن تعتبر بؤر ساخنة بسبب انتهاء عمرها الافتراضي وتحتاج إلى اهتمام كبير وإصلاحات حتى وإن كانت المواد المستخدمة في بنائها مقاومة.
وأضاف غوشة أن الأردن مقسم لـ4 مناطق بما يخص الزلازل أولها منطقة البحر الميت ومنطقة إربد حتى العقبة مرورا بسلسلة الجبال، وشرق عمان والمفرق، والرويشد، مؤكدا أن الأردن من أوائل الدول العربية التي تهتم بهذا الموضوع.
وبين أن دائرة الإحصاءات أكدت أن 69% من المباني أقيمت بعد إلزامية تدقيق كود الزلازل بالمخططات، علما أن نقابة المهندسين دققت عليها إلزاميا عام 1997.
وأشار إلى أن 31% من الأبنية الموجودة في الأردن قبل صدور الكود، وأضاف أن الحاجة ماسة إلى تأهيل المناطق العشوائية، وهي حالة نشاهدها بكل دول العالم، وكانت هناك دائرة التطوير الحضري عام 1980 هي لمسؤولة عن مثل هذه الأمور، ومشروع الشلالة هو الوحيد الذي جرى إعادة تطويره وتأهيله.
وكشف أن حكومة الدكتور هاني الملقي شكلت لجنة لدراسة المباني القديمة والعشوائية وحتى الآن لم يتم اتخاذ أي إجراء رغم انهيار عمارة اللويبدة، حيث أن العمل يحتاج إلى دراسات متكاملة لكن "الجهات الحكومية كل طرف يرميه على الآخر".
وشدد على ضرورة أخذ الحيطة لهذا الموضوع وعدم تأجيله، مؤكدا الحاجة إلى تعديل مواصفات البناء في الأردن، الأمر الذي يعد متطلبا أساسيا، لأن المواد اختلفت، وتطورت المواد المستخدمة بالأبنية ونظام الإنشاء.
وأوضح أن التربة تقسم لـ6 أقسام ، واستنادا إلى نوعية التربة وفحصها وعلاقة التصميم وكل هذا يدخل في حسابات الزلزال، إلى جانب أهمية اصدار مخططات متوافقة مع الكودات مهما كانت مساحة البناء وهذا أمر يحتاج إلى توعية وتسليط الضوء عليه إعلاميا.
وطالب بضرورة فحص البناء إذا ما كان يعاني من تشققات أو عيوب عن طريق التواصل مع استشاري هندسي حيث يوجد 1400 مكتب هندسي في الأردن.
وأكد على ضرورة وجود سجل وطني للعقارات، يتضمن الشخص المصمم واعمال الصيانة التي طرأت على البناء لأن هذه قاعدة بيانات مهمة لأي أمور فنية مستقبلا، معتبرا أن حدوث زلزال يعتمد على مركز الزلزال بشكل أساسي، إلى جانب أهمية التقسيمات الأربعة وطبيعة المنطقة وطريقة ومعالجتها.