لماذا أحرقوا ” قرآننا ” ؟

ماذا فعلنا بهم ، أو بأنفسنا ، لكي يكرهوننا ، ويتعمدوا الاساءة الينا ، ثم يحرقوا ” قرآننا ” الكريم ، ومشاعرنا ايضا ؟

  هذا السؤال ليس استنكاريا فقط، وإنما استفهامي أيضا، كما أنه لا يتعلق ،فقط، بالتصريحات العنصرية التي يطلقها ضدنا مسؤولون غربيون ، وإن كانت صادمة ومستفزة، وإنما بحملة كبيرة تشهدها بعض الدول الغربية ،تحديدا ،والعالم بشكل عام ، ضد المنتسبين للاسلام، تارة بذريعة “الارهاب الاسلامي ” ، وتارة أخرى تحت عنوان حرية التعبير ، للاساءة لرسولنا محمد ورموزنا الدينية ،وآخرها حرق المصاحف ( ما حدث في السويد وهولندا) .. الخ . لا استطيع – بالطبع- أن استثني أية أسباب قد تخطر على بال أي مسلم حول هذه ( الهجمة) ، سواء تعلقت بتاريخ العلاقة بين الاسلام والغرب، وما يزدحم به من صدامات ومواجهات، وربما احقاد وثارات، أو تعلقت بالصهيونية واسرائيل ولوبياتها المنتشرة في العالم، أو بما يسمى ( الاسلاموفوبيا) التي تحولت الى (اسلامو كوست ) حيث تم صناعتها ورعايتها من قبل دول ومراكز استخبارتية واعلامية ، تسعى لتطويق الاسلام وشيطنته ، لمنع تمدده خارج حدوده الجغرافية المعروفة. يمكن ، أيضا ، أن أضم صوتي لكل الأصوات التي تخرج من عالمنا الاسلامي وأكرر معها : لماذا يسيئون الينا ويحرقون مشاعرنا ويكرهوننا ؟ ثم استرسل في إصدار مايلزم من احكام الرفض والادانة والاحتجاج على السياسات ( الظالمة) ، والمعايير المزدوجة ضد الاسلام وابنائه، ابتداء من الامبريالية الى الشوفونية الى ( العنصرية) الجديدة، بمعنى أنني أحمّل ( الآخر) مسؤولية هذه الكراهية ، وأطالبه بالكف عنها، وربما اندفع أكثر من ذلك ، فأبادر ( للشماتة) منه حين يضربه الارهاب ، والدعوة لمقاطعته ، وتأجيج مشاعر المسلمين بالعالم ضده ، وربما تهديده ايضا . هذا كله مفهوم في سياق واحد وهو ( تعليق) المشكلة على مشجب ( الآخر)، وتحمليه مسؤليتها بالكامل،والآخر هنا لا يختزل في ( اليمين الغربي المتطرف ) وما يمثله من نموذج سيئ، وانما يجري تعميمه على الجميع ،فالغرب ومعه روسيا و الصين ، بدولها وشعوبها ،( كتلة) واحدة، وعداؤها للاسلام والمسلمين واحد، ويجري الحكم عليها وفق مسطرة واحدة. حتى الآن ،مازلنا نتعامل بهذا المنطق، اعتقادًا منا أن الاسلام كدين يمثل خطرا على هذا العالم (الكافر)، ولذلك فإنه يتقصد الاساءة اليه وحرق رموزه ومشاعر أبنائه ، ومع أن هذه ( الصيغة) يجري تغليفها بعبارات أكثر لباقة، للتذكير بأن العالم يخشى الاسلام لانه يمثل بالنسبة له تهديدا حضاريا، وبالتالي فإن حربه عليه ( دينية) محضة، ما يعني ان معظم المسلمين يتفقون على أن مشكلة هذا العداء هناك وليست هنا ، والمسؤول الوحيد عنها : هم ، وليس نحن، وان عنوانها هو ( الدين) ، وليس اخطاء بعض المسلمين، ولا أطماع السياسيين، وبالتالي فإن الحل هو المواجهة وادامة الصراع، وليس التفاهم او الحوار. هذا المنطق – بالطبع- يحتاج إلى نقاش طويل، لكن أخطر ما فيه أنه يضع (الدين ) عنوانا وحيدا للعداء بين المسلمين وغيرهم من دول العالم وشعوبه، ثم أنه يعمم هذا العداء على الجميع دون استثناء ، باعتبار العالم كتلة واحدة، تتحرك ضد الاسلام وابنائه، زد على ذلك انه يضع المسلمين في حالة استنفار دائم ضد الآخر الذي تحركه ( المؤامرة) للانقضاض على الأمة التي تتحمل مسؤولية ( هداية) العالم وتصحيح اعوجاجه، وحالة ( الاستنفار) هذه تحتاج الى ( طاقة) حضارية لا تمتلكها امتنا الآن، وبالتالي تتحول الى حالة ( مَرَضِية) تأخذ اشكالا متعددة منها الانعزال عن العالم، أو الاكتفاء بإدانته ورفضه، أو اشهار العداوة معه، وكل هذه الاشكال لها نتيجة واحدة ، وهي اننا نخسر أنفسنا ، ونخسر العالم أيضا. ربما يفهم البعض ما ذكرته في اطار تبرئة الآخر الذي يتعمد عدم فهمنا والاساءة الينا كمسلمين، أو في إطار ( جلد) الذات وتحميلها مسؤولية هذا العداء، أو ربما الهروب من مواجهة الظلم الذي تتعرض له أمتنا ، هذا لا يخطر إلى بالي أبدًا، فأنا أدرك ،تماما ، أن هنالك في العالم من يكرهنا حقا لأننا مسلمون، كما أن فيه من لا يميز بيننا وبين غيرنا إلا حين تتصادم مصالحه معنا، وفيه ممن لا يعرفنا وليس لديه أية أحكام مسبقة عنا، وفيه من يبادلنا الاعتراف والاحترام أيضا ،بمعنى أننا في علاقاتنا مع هذا العالم كغيرنا، يحكمنا منطق التعارف والصراع والمصالح، وحسابات الربح والخسارة، وغالبا معادلات السياسة التي لا ترى ( الدين) إلا موظفًا في خدمة أهدافها فقط. ما أريد أن أقوله : العالم لا يكرهنا لأننا مسلمون ، وحسب ، وإنما يتعامل معنا بهذا الشكل لأننا ضعفاء، لا يحسب لنا احد اي حساب ، وبالتالي فالمشكلة ليست فيه ،فقط ، وانما فينا أيضا ، كما انه اذا كان اخطأ بحقنا فنحن اخطأنا بحق انفسنا أكثر ، وهنا تحت ( أخطأنا) يجب أن نضع مائة خط، لا اتحدث فقط عن المتطرفين وافعالهم التي اساءت لصورتنا في العالم، ولا عن خطاب البعض حول تحرير العالم ( بالاسلام) من جهالاته وضلالاته، سواء بالسيف أو بغيره، وإنما الأهم عن حالة ( التخلف والانحطاط ) التي وصلنا إليها ، وأغرت العالم بالاستهانة بنا ، والتقليل من شأننا، وهي لا تتعلق بما نشهده من حروب وصراعات مخجلة، وانما بما تراكم لدينا من جهل واستبداد وفساد وتبعية، وما أصبحنا نمثله من أعباء على العالم ، وعلى ديننا وقرآننا العظيم ، وانفسنا ايضا .