دعوات للحفاظ على الجبال في يومها العالمي

يُطلق خبراء جغرافيون، نداء استغاثة باسم الطبيعة؛ لدرء أخطار التغيّر المناخي عن الجبال التي ينالها قسط كبير من التدمير الذي يندرج تحت مسمى "الاستغلال المفرط للأراضي".

ومردُّ استغاثة هؤلاء الخبراء، الحيف الذي لحق بالطبيعة الجبلية التي تعدُّ مصدر ثراء حيويا نباتيا وحيوانيا وطبيعيا، تنال منه يد العبث حيناً وتسارع التغير المناخي، أحيانا. وتشكل نسبة الجبال نحو 5 بالمئة من مساحة المملكة، تتصف بتنوع النظم الطبيعية والإيكولوجية، إذ تعد موئلا طبيعيا للعديد من النباتات (الأعشاب، الشجيرات، الأشجار المنوعة والتي من أهمها أشجار الصنوبر الحلبي والبلوط والبطم الأطلسي والبطم الفلسطيني والزعرور والزيتون البري والقيقب والعرعر الفينيقي الذي تشتهر به جبال الشراة بالإضافة إلى العديد من الحيوانات والطيور البرية، بحسب الخبراء. ولفت الخبراء  بمناسبة اليوم العالمي للجبال الذي يصادف، اليوم الأحد، تحت شعار "المرأة تحرك الجبال"، إلى الدور الرئيس الذي تضطلع به المرأة في حماية البيئة والتنمية الاجتماعية والاقتصادية في المناطق الجبلية. فبحسب الجمعية العامة للأمم المتحدة، فإن أكثر من 50 في المئة من النساء يزاولن في المناطق الجبلية أنشطة زراعية، إذ تعد الجبال موطنا لنحو 15 بالمئة من سكان العالم وربع أعداد الحيوانات وكذلك مساحة النباتات البرية في العالم، كما أنها توفر المياه العذبة للحياة اليومية لنصف البشرية. مخاطر تهدد الجبال وأشارت الجمعية إلى أن الجبال مهددة نتيجة تغير المناخ والاستغلال المفرط لها، مبينة أن الأنهار الجليدية في الجبال تذوب بمعدلات غير مسبوقة بفعل ارتفاع درجات الحرارة. ويعود تاريخ اليوم الدولي للجبال إلى ما قبل 30 عاما، عند اعتماد الفصل 13 من جدول أعمال القرن 21 بشأن "إدارة النظم الإيكولوجية الهشة: التنمية المستدامة للجبال" في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية، وقد شكل ذلك حدثا بارزا في تاريخ تطور الجبال. ويعرّف رئيس قسم الجغرافيا في الجامعة الأردنية الدكتور علي عنبر، الجبال بأنها ظاهرة جغرافية تعبر عن الأجزاء المرتفعة عن سطح البحر وكذلك عن سطح الأرض المجاورة لها، وقد توجد الجبال في العالم إما منفردة، أو على شكل سلاسل جبلية ذات قمة أو قمم متعددة تعرف كل واحدة منها باسم خاص بها. وبين أن الجبال تتشكل عادة إما نتيجة لعمليات تكتونية التوائية، أو تكون الجبال انكسارية، وأوضح عنبر أن الجبال في الأردن تشكلت بفعل الحركات التكتونية الأرضية البطيئة، أي التي أدت إلى حدوث التواءات هذه الالتواءات نجم عنها حدوث محدبات أشهرها محدب عجلون، في حين كانت المقعرات بيئة مناسبة لمياه الأودية الجارية. وأضاف أن هذه الأودية عملت على فصل السلسلة الجبلية في الأردن إلى أربعة أجزاء، تمثلت في مرتفعات أو جبال عجلون ومرتفعات البلقاء ومرتفعات مؤاب ومرتفعات جبال الشراة وهي أكثرها ارتفاعا. وأشار عنبر إلى أن الجبال في الأردن تغطي حوالي 5 بالمئة من مساحة المملكة والأجزاء المرتفعة منها تغطي نصف هذه النسبة، حيث يسود نظام البيئة شبه الرطب (مناخ البحر المتوسط)، حيث تزيد كمية الأمطار السنوية عن 300 مليمتر، وقد تصل في المناطق الشمالية منها إلى 570 مليمتراً. وتتميز الجبال عادة بارتفاع نصيبها من الأمطار، وتستأثر بجميع الهطولات الثلجية، وهي مصدر المياه السطحية والجوفية، وتشتهر بشدة منحدرات سفوحها خاصة المطلة على إقليم حفرة الانهدام، الأمر الذي يجعل عمليات التعرية المائية تستفحل فيها لذلك، وفقا لعنبر. وتتعرض تربة الجبال للانجراف في أعقاب وأثناء سقوط الأمطار، مما يعمل على انجراف التربة خصوصا طبقتها السطحية أو ما يعرف بافق "أ" وهي الطبقة السطحية من التربة التي تمثل الجزء الناضج من التربة، وبذلك تخسر الجبال تربتها الناضجة والخصبة، كما يتعرض الغطاء النباتي (غابات البحر المتوسط) إلى التعدي عليه من الناس سواء بالقطع أو الرعي الجائر، أو من خلال توزيع الرقعة الزراعية على حساب الغابات؛ مما يقلص مساحة الغطاء النباتي الطبيعي الأخضر. ودعا عنبر إلى إيجاد تشريعات صارمة لمن يعبث بالغابات وإدخال الغابات ضمن نظام المحميات الطبيعية، والعمل على توسيع الغطاء الأخضر من خلال التوسع في زراعة الأشجار الحرجية والمحافظة على التربة من الانجراف. أمّا رئيس قسم الجغرافيا في جامعة اليرموك الدكتور محمد زيتون، فيشير إلى أن الحفاظ على الجبال يعد من العوامل الرئيسة للتنمية المستدامة وجزءا من الهدف الخامس عشر من أهداف التنمية المستدامة (حماية النظم الإيكولوجية البرية ومكافحة التصحر ووقف تدهور الأراضي وفقدان التنوع). وأوضح أن شعار "المرأة تحرك الجبال" ينبغي أن يكون دافعا ومحفزا لنشر الوعي البيئي المستدام، والعمل على تنمية مستدامة للمجتمعات المحلية في الجبال وخاصة المرأة في المناطق الريفية والقرى بتنفيذ أنشطة ومشاريع تنسجم وتتناغم مع مهاراتها وقدراتها الكامنة. وقال زيتون إنه ينبغي أن يتجه المجتمع إلى تبني مفهوم الاستثمار بالسياحة الجبلية المتنوعة، كالممرات والدروب، المحميات الطبيعية، الرياضة وغيرها، التي من شأنها أن تزيد من الاهتمام بالبيئات الجبلية، وتحافظ عليها وعلى مواردها الطبيعية، وأن توفر فرص عمل لأبناء المجتمعات الجبلية. وأشار في هذا السياق إلى أن المناطق الجبلية في الأردن تعد أحد ثلاث مناطق فيزيوغرافية، إلى جانب وادي الأردن (الأغوار) والبادية، وتمتد في نطاق طولي شمالي-جنوبي على مساحة تقدر بنحو 10550 كيلو مترا مربعا إضافة إلى السهول المحيطة بها. وأكّد زيتون في هذا الصدد أنه على الرغم من تواضع مساحتها نسبة إلى المساحة الكلية للأردن، إلا أنها تمتاز بخصائص طبيعية جعلتها جاذبة للسكان، حيث أقاموا عليها جل مدنهم وقراهم. ورأى أن اعتدال درجة الحرارة صيفا يجعلها وجهة مفضلة للسياحة المحلية والعربية، ووفرة أمطارها التي تتراوح بين (450-580) مليمترا في إربد ورأس منيف الشمال، وبين (250-330) مليمترا في الشوبك والربة جنوبا، حيث تعد هذه الأمطار مصدرا مهما لتغذية الخزانات الجوفية والأودية النهرية التي يمتد معظمها باتجاه وادي الأردن. وتمتاز كذلك بتربتها الخصبة التي ينتمي جزء كبير منها إلى تربة التيراروزا (تربة البحر المتوسط الحمراء) التي تصلح للزراعة البعلية من الأشجار المثمرة والمحاصيل الحقلية والحبوب، بحسب زيتون. وقال:" إن كانت الجبال في الأردن إقليما طبيعيا متواضع المساحة نسبة إلى المناطق الصحراوية التي تشكل نحو 78 بالمئة من مساحة الأردن، إلا أنها تتنوع في نظمها الطبيعية والايكولوجية، فهي تحتضن الغابات والأحراج، التي تعد موئلا طبيعيا للعديد من النباتات والحشائش والشجيرات والأشجار المعمرة مثل الصنوبر، والسنديان، والبطم، والقيقب، والزعرور، والخروب. الجبال موئل طبيعي للتنوع الحيوي وتعد الجبال كذلك موئلا للعديد من الحيوانات والطيور البرية مثل السنجاب، الأرانب، والقوارض، والثعالب، والطيور". ولفت زيتون إلى أن الجبال في الأردن تعد مصدرا مهما لتغذية الأودية والأحواض الجوفية بمياه الأمطار شتاء، فهي غنية بالينابيع والأودية دائمة الجريان مثل وادي كفرنجة، ووادي العرب، ووادي شعيب، ووادي الموجب، ووادي راجب. وأشار إلى أن المناطق الجبلية تتعرض للعديد من المخاطر الطبيعية والبشرية، والتي أصبحت تهدد نظمها البيئية ومكوناتها وعناصرها، أولها التغير المناخي الذي تأثرت به منطقة شرق المتوسط، والذي نتج عنه ارتفاع درجة الحرارة، وانخفاض كميات الأمطار، وتأخر الموسم المطري. وأضاف زيتون : تتعرض الجبال في الأردن إلى خطر عظيم يعد من أهم العوامل التي يمكن أن يؤثر في تدمير الموائل الطبيعية للنباتات الطبيعية والحيوانات البرية، وهو اجتثاث الغابات عن طريق التحطيب والحرائق، والذي أدى إلى تراجع الرقعة الغابية فيها، والتي لم تعد تشكل إلا ما نسبته 1 بالمئة من مساحة الأردن. ولفت إلى أن من بين هذه السلبيات، تفتت الملكيات الزراعية وامتداد النمو العمراني على حساب الأراضي الزراعية والغابية، والذي أدى إلى تراجع الرقعة الزراعية وزيادة الجريان السطحي لمياه الأمطار وانخفاض كميات التسرب إلى باطن الأرض، وزيادة انجراف التربة، وتراجع رطوبتها، التي يعتمد عليها النبات في نموه، وتراجع أو تزحزح المساحات الإيكولوجية، مبينا أن ذلك كله أدى إلى تغير في المناخ المحلي للجبال، الأمر الذي لا يجب السكوت عنه. الجبال مورد رئيس للمياه العذبة ويبين أستاذ الجغرافيا في قسم الجغرافيا التطبيقية في جامعة آل البيت الدكتور أيمن عبد الكريم الطعاني، أهمية الجبال كونها توفر نحو 60 إلى 80 في المائة من موارد المياه العذبة، إلا أن تغير المناخ يهدد قدرتها على توفير المياه العذبة وعمليات الزراعة والخدمات الأخرى التي يؤمنها النظام الإيكولوجي في المراحل الأولى، وفي المراحل التالية للملايين من الأشخاص، كما تجذب السياحة الجبلية نحو 20 بالمئة من أنشطة السياحة العالمية. وأضاف أن التغير المناخي يؤثر على مختلف القطاعات بما في ذلك الزراعة والسياحة والتنوع البيولوجي والمياه التي تنساب من قمم الجبال لتغذي المناطق الساحلية بالمياه، إضافة إلى تقليل تزويد المياه الجوفية. وأكد الطعاني دور الأردن في وضع خطة التكيف مع التغير المناخي، والتي تتمثل بالاستفادة والاستخدام المستدام للأرض والنظم الإيكولوجية للمياه العذبة الداخلية وأنظمتها، ولا سيما الغابات والأراضي الرطبة والجبال والأراضي الجافة، ويقوم الأردن في إعداد تقييمات الأثر البيئي والاجتماعي للمشاريع المقامة على أراضيه، ومنها في المناطق الجبلية للتأكد من أن التغير المناخي لا يؤثر على الجدوى الاقتصادية والفنية للمشاريع. ودعا إلى المحافظة على التربة الموجودة من الانجراف أو استعادة التربة التي انجرفت من خلال الزراعات المنتظمة على طول المناطق الشديدة الانجراف، إضافة إلى إنشاء قنوات أو ترميم القنوات التي أنشأها القديمة، للاستفادة من تجميع المياه (الحصاد المائي)، لمنع انجراف التربة وري الأشجار المزروعة. كما دعا الطعاني إلى إنشاء محميات طبيعية على المناطق الجبلية مثل محمية ضانا، حتى تحافظ على خصائصها الطبيعية سواء النباتية منها أو الحيوانية، ولتقليل ضغط الرعي في تلك المناطق. كما دعا إلى زيادة الوعي بأهمية البيئة من قبل السكان المحليين والقاطنين في المناطق الجبلية، وإعداد دراسات ميدانية للمناطق الجبلية والقاطنة بالسكان من أجل تحديد مناطق الخلل أي التلوث أو الرعي الجائر أو الانجراف المائي أو التعرية ووضع الخطط المناسبة حسب طبيعة المنطقة الجغرافية والاجتماعية؛ ومن ثم متابعة تنفيذ المشاريع والخطط كل فترة وأخرى وعمل تقييم لها، حتى تكون بيئة الجبال سليمة من أي خلل. يشار إلى أن السنة الدولية للجبال في عام 2002 حفّزت الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى اتخاذ قرار بتحديد يوم 11 كانون الأول يوما دوليا للجبال، اعتبارا من عام 2003، وشجعت المجتمع الدولي على أن ينظم في هذه المناسبة، فعاليات على جميع المستويات لإبراز أهمية التنمية المستدامة للجبال.