"غوغل" يحتفل بذكرى أيقونة فن العيطة المغربي الحاجة الحمداوية
دقيقة اخبار
احتفل محرك البحث العالمي "غوغل"، امس، بذكرى النجمة المغربية الراحلة الحاجة الحمداوية، التي توفيت في 5 أبريل من السنة الماضية، عن سن ناهز 91 سنة.
وعاشت أيقونةُ فن العيطة حياة الفقر والترف، وتقلبت في ظلام المخافر والسجون، وغنت أمام الملوك والأميرات، وكان صوتها الشجي وآلة البندير سلاحها للمقاومة ومجابهة المستعمر.
نشأة أيقونة
في درب "كرلوطي" بالدار البيضاء عاشت الفنانة الحجاجية، المنحدرة من منطقة "مزاب" وبالضبط من سيدي حجاج بالشمال الغربي للمغرب، والتي سيصبح اسم شهرتها فيما بعد، الحاجة الحمداوية.
قضت طفولتها في وسط يعاني من ضيق الحال. وكان لطلاق والديها وهي لم تتجاوز بعد الست سنوات من عمرها، وقع كبير عليها، وعلى مسار حياتها.
بعد انتقال أمها للعيش في مدينة أخرى، بقيت الحجاجية إلى جانب والدها، الذي كان معيلها الوحيد بعد زواج والدتها من رجل آخر.
الفقر دفعها لتحمل المسؤولية مبكرا
اقتحم المرض بيت أسرتها الواهن مبكرا، فأقعد والدها، وزاد الطين بلة، مما دفعها إلى تقلد مسؤولية إعالة أشقائها وشقيقتها، عبر امتهان حرفة رفضها الأب رفضا قاطعا؛ فخروج البنت للغناء وإحياء الحفلات، عار سيُطبع على جبينه ويمرغ اسم عائلته في الوحل.
أظهرت الحمداوية حبا كبيرا للموسيقى وشغفا بالغناء والمسرح منذ نعومة أظافرها. عشقٌ دفعها لمحاكاة كبار نجوم الطرب الشرقي. كما صعدت الركح وقدمت أدوارا طفولية لقيت استحسانا واسعا، قبل أن تلتحق بالجوق الوطني بقيادة بوشعيب البيضاوي، فكانت هذه الخطوةُ القشةَ التي قسمت ظهر البعير.
خيم التوتر على علاقتها بوالدها الذي هدد غير ما مرة بوضع حد لحياتها إذا استمرت في الغناء والتمثيل. وكرد فعل، قام بتزويجها وهي في سنها السادس عشر، لقطع الطريق أمام محاولاتها اقتحام مجال الفن.
لكن سرعان ما أنهت الحمداوية علاقتها التي دامت ثلاث سنوات مع زوجها محمد الذي كان يعمل شرطيا. الطريق الآن صارت واضحة، والهدف جليّ نُصب عينيها. دخلت الشابة عالم الفن من باب المسرح ضمن فرقة الفنان المغربي الشهير بوشعيب البيضاوي.
تحوّلت الحجاجية من المسرح إلى غناء العيطة بعدما لمس البيضاوي في صوتها بحة مميزة، وفي العيطة وجدت ذاتها وأبدعت وتفننت حتى صارت أغانيها على كل لسان.
فن العيطة سلاحها ضد المستعمر
حققت السلطات الفرنسية مع الحاجة الحمداوية في مرحلة الاستعمار، وذلك بشأن كلمات أغانيها، والرسائل التي تبعثها من خلالها، كما زج بها في السجن بسبب أغنية، اعتُبرت أنها من خلالها تذم ابن عرفة، الذي نصبته السلطات الفرنسية سلطانا بعد نفي محمد الخامس.
وقال أحمد عيدون، الكاتب والباحث في الموسيقى في حديث لـ"سكاي نيوز عربية": "في غشت 1953، وبعد نفي السلطان محمد الخامس وقيام ثورة الملك والشعب، تم القبض على الحاجة الحمداوية لأنها غنت "أوايلي الشيباني" تنتقد فيه صنيعة الاستعمار السلطان المزور محمد بنعرفة، الذي حاول الاستعمار تنصيبه كبديل للسلطان الشرعي محمد الخامس الذي تم نفيه إلى كورسيكا ثم إلى مدغشقر".
وأضاف: "لقد حاولت الحمداوية من خلال هذه الأغنية، تذكير الناس بواقعة محاولة اغتيال بنعرفة من طرف المقاومين. فبعد خروجه تلقى موكبُ السلطان المزوَّر قنبلة انفجرت بالقرب منه، لكنها لم تصبه إلا بجروح طفيفة وتلطخت ثيابه بالدم فصار مثل يقطين تناثرت حباته، يقول مقطع الأغنية الخاص بهذه الصورة "وجه الگرعة مات بالخلعة".
وهاجرت الحاجة الحمداوية بعد ذلك إلى باريس، حيث صقلت موهبتها، والتقت بفنانين مغاربيين من العيار الثقيل مثل المغني وكاتب الكلمات محمد فويتح، وفتحت عينيها على ثقافات أخرى.
وقال حسن نجمي، شاعر ومؤلف وباحث في فن العيطة، في تصريح لـ"سكاي نيوز عربية": "لقد كانت الحاجة الحمداوية ذكية للغاية، واستغلت تواجدها بفرنسا لتتعلم من الفنانين المغاربة والجزائريين والتونسيين هناك. وبدأت توسع معارفها في الغناء المغاربي. وبعد عودتها إلى المغرب إثر رجوع السلطان محمد الخامس من المنفى، تأثرت الحمداوية بفن العيطة المرساوية، التي تتميز بها منطقة الدار البيضاء سطات، وعادت لأصولها".
وتابع نجمي حديثه قائلا: "لم تكن الحمداوية شيخة، بالمفهوم المتداول في المغرب. بل هي فنانة عصرية وشعبية أعطت طابعا حداثيا للعيطة المرساوية، عن طريق أخد شذرات من شعر العيطة وإعطائه توزيعا جديدا، ما مكنها من الغناء مع الجوق الوطني. وقد لاقت الفنانة الراحلة دعما من طرف بوشعيب البيضاوي وأحمد القدميري ولمفضل لحريزي".
وأكد، في هذا الصدد، الأستاذ أحمد عيدون، من جانبه، أن الحاجة الحمداوية أسهمت في تقريب التراث إلى أوسع الجماهير في المغرب، فضلا على حضورها في المغرب الكبير وعند مغاربة العالم.
وأضاف: "الحاجة الحمداوية أعطت للقصائد التي قدمتها نكهة خاصة بصوتها المتميز وحضورها الخاص على خشبة المسرح، ولا عجب فقد انتمت في نهاية الخمسينيات إلى فرقة البشير العلج المسرحية وكان لها اتصال ببوشعيب البيضاوي رائد العيطة المرساوية ورفيقه عازف الكمان محمد قيبو المعروف بالماريشال قيبو. لذلك امتد المسار الفني للحمداوية لما يناهز سبعة عقود".
وأضحت الحمداوية المغنية المفضلة للقصر في عهد 3 ملوك، محمد الخامس، والحسن الثاني، ومحمد السادس، وغنت في زفاف الملك محمد السادس، وشقيقه الأمير رشيد.
بعد وفاتها، نعا العاهل المغربي الفقيدة في رسالة وجهها لأقاربها مؤكدا أنها "كرست حياتها لخدمة هذا اللون الغنائي الشعبي العريق، وترسيخه كأحد مكونات الموروث الثقافي الوطني، حيث أبدعت وتألقت بأدائها المتميز، على مدى عقود من الزمن، في ملامسة وجدان أجيال من عشاق هذا الفن المغربي الأصيل، والارتقاء به وطنيا ودوليا".
وقدمت الراحلة على مدى تاريخها الفني الطويل العديد من الأغاني الناجحة، من قبيل "دابا يجي يا الحبيبة"، و"هزو بنا لعلام" و"ماما حياني"، و"منين أنا منين انتا".
وتظهر صورة الراحلة على صفحة "غوغل" الرئيسية، وهي تعزف على "آلة البندير" وتغني على الخشبة برفقة فرقتها الموسيقية.
وعاشت أيقونةُ فن العيطة حياة الفقر والترف، وتقلبت في ظلام المخافر والسجون، وغنت أمام الملوك والأميرات، وكان صوتها الشجي وآلة البندير سلاحها للمقاومة ومجابهة المستعمر.
نشأة أيقونة
في درب "كرلوطي" بالدار البيضاء عاشت الفنانة الحجاجية، المنحدرة من منطقة "مزاب" وبالضبط من سيدي حجاج بالشمال الغربي للمغرب، والتي سيصبح اسم شهرتها فيما بعد، الحاجة الحمداوية.
قضت طفولتها في وسط يعاني من ضيق الحال. وكان لطلاق والديها وهي لم تتجاوز بعد الست سنوات من عمرها، وقع كبير عليها، وعلى مسار حياتها.
بعد انتقال أمها للعيش في مدينة أخرى، بقيت الحجاجية إلى جانب والدها، الذي كان معيلها الوحيد بعد زواج والدتها من رجل آخر.
الفقر دفعها لتحمل المسؤولية مبكرا
اقتحم المرض بيت أسرتها الواهن مبكرا، فأقعد والدها، وزاد الطين بلة، مما دفعها إلى تقلد مسؤولية إعالة أشقائها وشقيقتها، عبر امتهان حرفة رفضها الأب رفضا قاطعا؛ فخروج البنت للغناء وإحياء الحفلات، عار سيُطبع على جبينه ويمرغ اسم عائلته في الوحل.
أظهرت الحمداوية حبا كبيرا للموسيقى وشغفا بالغناء والمسرح منذ نعومة أظافرها. عشقٌ دفعها لمحاكاة كبار نجوم الطرب الشرقي. كما صعدت الركح وقدمت أدوارا طفولية لقيت استحسانا واسعا، قبل أن تلتحق بالجوق الوطني بقيادة بوشعيب البيضاوي، فكانت هذه الخطوةُ القشةَ التي قسمت ظهر البعير.
خيم التوتر على علاقتها بوالدها الذي هدد غير ما مرة بوضع حد لحياتها إذا استمرت في الغناء والتمثيل. وكرد فعل، قام بتزويجها وهي في سنها السادس عشر، لقطع الطريق أمام محاولاتها اقتحام مجال الفن.
لكن سرعان ما أنهت الحمداوية علاقتها التي دامت ثلاث سنوات مع زوجها محمد الذي كان يعمل شرطيا. الطريق الآن صارت واضحة، والهدف جليّ نُصب عينيها. دخلت الشابة عالم الفن من باب المسرح ضمن فرقة الفنان المغربي الشهير بوشعيب البيضاوي.
تحوّلت الحجاجية من المسرح إلى غناء العيطة بعدما لمس البيضاوي في صوتها بحة مميزة، وفي العيطة وجدت ذاتها وأبدعت وتفننت حتى صارت أغانيها على كل لسان.
فن العيطة سلاحها ضد المستعمر
حققت السلطات الفرنسية مع الحاجة الحمداوية في مرحلة الاستعمار، وذلك بشأن كلمات أغانيها، والرسائل التي تبعثها من خلالها، كما زج بها في السجن بسبب أغنية، اعتُبرت أنها من خلالها تذم ابن عرفة، الذي نصبته السلطات الفرنسية سلطانا بعد نفي محمد الخامس.
وقال أحمد عيدون، الكاتب والباحث في الموسيقى "في غشت 1953، وبعد نفي السلطان محمد الخامس وقيام ثورة الملك والشعب، تم القبض على الحاجة الحمداوية لأنها غنت "أوايلي الشيباني" تنتقد فيه صنيعة الاستعمار السلطان المزور محمد بنعرفة، الذي حاول الاستعمار تنصيبه كبديل للسلطان الشرعي محمد الخامس الذي تم نفيه إلى كورسيكا ثم إلى مدغشقر".
وأضاف: "لقد حاولت الحمداوية من خلال هذه الأغنية، تذكير الناس بواقعة محاولة اغتيال بنعرفة من طرف المقاومين. فبعد خروجه تلقى موكبُ السلطان المزوَّر قنبلة انفجرت بالقرب منه، لكنها لم تصبه إلا بجروح طفيفة وتلطخت ثيابه بالدم فصار مثل يقطين تناثرت حباته، يقول مقطع الأغنية الخاص بهذه الصورة "وجه الگرعة مات بالخلعة".
وهاجرت الحاجة الحمداوية بعد ذلك إلى باريس، حيث صقلت موهبتها، والتقت بفنانين مغاربيين من العيار الثقيل مثل المغني وكاتب الكلمات محمد فويتح، وفتحت عينيها على ثقافات أخرى.
وقال حسن نجمي، شاعر ومؤلف وباحث في فن العيطة "لقد كانت الحاجة الحمداوية ذكية للغاية، واستغلت تواجدها بفرنسا لتتعلم من الفنانين المغاربة والجزائريين والتونسيين هناك. وبدأت توسع معارفها في الغناء المغاربي. وبعد عودتها إلى المغرب إثر رجوع السلطان محمد الخامس من المنفى، تأثرت الحمداوية بفن العيطة المرساوية، التي تتميز بها منطقة الدار البيضاء سطات، وعادت لأصولها".
وتابع نجمي حديثه قائلا: "لم تكن الحمداوية شيخة، بالمفهوم المتداول في المغرب. بل هي فنانة عصرية وشعبية أعطت طابعا حداثيا للعيطة المرساوية، عن طريق أخد شذرات من شعر العيطة وإعطائه توزيعا جديدا، ما مكنها من الغناء مع الجوق الوطني. وقد لاقت الفنانة الراحلة دعما من طرف بوشعيب البيضاوي وأحمد القدميري ولمفضل لحريزي".
وأكد، في هذا الصدد، الأستاذ أحمد عيدون، من جانبه، أن الحاجة الحمداوية أسهمت في تقريب التراث إلى أوسع الجماهير في المغرب، فضلا على حضورها في المغرب الكبير وعند مغاربة العالم.
وأضاف: "الحاجة الحمداوية أعطت للقصائد التي قدمتها نكهة خاصة بصوتها المتميز وحضورها الخاص على خشبة المسرح، ولا عجب فقد انتمت في نهاية الخمسينيات إلى فرقة البشير العلج المسرحية وكان لها اتصال ببوشعيب البيضاوي رائد العيطة المرساوية ورفيقه عازف الكمان محمد قيبو المعروف بالماريشال قيبو. لذلك امتد المسار الفني للحمداوية لما يناهز سبعة عقود".
وأضحت الحمداوية المغنية المفضلة للقصر في عهد 3 ملوك، محمد الخامس، والحسن الثاني، ومحمد السادس، وغنت في زفاف الملك محمد السادس، وشقيقه الأمير رشيد.
بعد وفاتها، نعا العاهل المغربي الفقيدة في رسالة وجهها لأقاربها مؤكدا أنها "كرست حياتها لخدمة هذا اللون الغنائي الشعبي العريق، وترسيخه كأحد مكونات الموروث الثقافي الوطني، حيث أبدعت وتألقت بأدائها المتميز، على مدى عقود من الزمن، في ملامسة وجدان أجيال من عشاق هذا الفن المغربي الأصيل، والارتقاء به وطنيا ودوليا".
وقدمت الراحلة على مدى تاريخها الفني الطويل العديد من الأغاني الناجحة، من قبيل "دابا يجي يا الحبيبة"، و"هزو بنا لعلام" و"ماما حياني"، و"منين أنا منين انتا".