يشهد الاقتصاد العالمي خلال الفترة الراهنة عدد من التغيرات المتسارعة والتي أدت بدورها لارتفاع حالة عدم اليقين في التوقعات الاقتصادية وخاصةً في ظل تزامن عدد من المؤثرات الاقتصادية بعضها يدفع بالاقتصاد في جانب الركود والبعض الآخر يدفع في جانب التضخم، وقد انعكست تلك المشكلات الاقتصادية الراهنة في أداء أسواق السلع والعملات والأسهم وغيرها من الأسواق المالية. وخلال السطور التالية نسلط الضوء على أهم تلك التطورات.
الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي يواصل الضغط على الأسواق
لن نكون مبالغين إذا قلنا أن قرارات الفيدرالي الأمريكي حاليا أصبحت هي الحدث الأهم على الإطلاق في المسرح الاقتصادي العالمي وأصبح المستثمرون بل وصانعي السياسة النقدية والمالية على مستوى العالم ينسجون خططهم الاقتصادية المستقبلية استنادا إلى قرارات الفيدرالي الأمريكي وما تلقيه من آثار على اقتصادياتهم.
فقد واصل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي مسار التشديد النقدي بشكل غير مسبوق، إذ قام الفيدرالي الأمريكي في اجتماع الأربعاء 21 سبتمبر برفع معدلات الفائدة الأمريكية بـ 75 نقطة أساس جديدة للمرة الثالثة على التوالي كما يظهر في المفكرة الاقتصادية لـ easyMarkets، ليأخذ بذلك إجمالي معدلات الفائدة إلى 3.25% أي أعلى معدل فائدة فيدرالية منذ يناير 2008.
[caption id="attachment_285417" align="alignright" width="333"]
#image_title[/caption]
وعلى الرغم من ذلك، فإن قرار الفائدة ربما لم يكن هو الحدث الأهم الناتج عن الاجتماع الأخير للجنة السياسة النقدية الأمريكية، بل يؤكد خبراء الاقتصاد أن الأمر الأهم هي التحديثات التي قام بها الفيدرالي الأمريكي لتوقعات النمو الخاصة بالاقتصاد الأمريكي، حيث قام الفيدرالي الأمريكي بخفض توقعاته لمعدلات نمو الاقتصاد الأمريكي خلال الربع الرابع 2022 من 1.7% إلى 0.2% فقط، وخفض أيضا توقعات النمو للعام 2023 من 1.7% إلى 1.2% وهو ما يعتبر في نظر الاقتصاديين بانه إقرارا ضمنيا من الفيدرالي بأن الاقتصاد دخل في مرحلة الركود.
البنوك المركزية تلاحق الفيدرالي الأمريكي
كما أشرنا من قبل، فإن قرار الفائدة للاحتياطي الفيدرالي يؤثر بقوة على القرارات النقدية والمالية للدول حول العالم، فقد رأينا بنك إنجلترا في اجتماع الخميس 22 سبتمبر يقوم برفع أسعار الفائدة بنحو 55 نقطة أساس لتصل إجمالي أسعار الفائدة البريطانية إلى 2.25% وذلك على الرغم من حالة الركود التي يعيشها الاقتصاد البريطاني.
لم يقف الأمر عند بنك إجلترا، إذ قام البنك الوطني السويسري هو الآخر برفع أسعار الفائدة خلال اجتماع الخميس 22 سبتمبر لينقلها من المنطقة السالبة إلى المنطقة الموجبة لأول مرة منذ عام 2015 وليجعلها عند 0.50% بما يعادل ارتفاع بمقدرا 125 نقطة أساس دفعةً واحدة.
ولننتقل من أوروبا إلى شرق آسيا، حيث دفعت الأوضاع النقدية العالمية بنك اليابان إلى أن يتدخل في سوق الصرف الأجنبي لديه للمرة الأولى منذ عام 1998 من أجل السيطرة على سعر صرف الين الياباني الذي هوى أمام الدولار الأمريكي بقوة منذ بداية عام 2022 ليصل حاليا إلى مستويات 141.7.
التصعيد الروسي يزيد الأمر سوءًا
لم ترض روسيا بما جرّت إليه الاقتصاد العالمي من دمار حتى اللآن، بل أبت إلا أن تمضي قدما في زيادة إشعال الأوضاع الاقتصادية، حيث قامت روسيا مؤخرا باتخاذ قرار بإيقاف إمدادات عمل خط نورد ستريم1 بشكل كامل إلى أجل غير مسمى بدعوى خضوعه لبعض الإصلاحات مما أدى لارتفاع التخوفات الاقتصادية لدى دول الاتحاد الأوروبي وباخصة لدى ألمانيا التي تعتمد بشكل رئيسي على روسيا في إمدادات الغاز الطبيعي.
وقد قام الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" بزيادة حدة الأزمة على المستوى الاقتصادي والعسكري، إذ أمر بإعلان حالة التعبئة الجزئية ملوحا بأن الحرب حاليا ليست مع أوكرانيا فقط بل مع أوروبا والغرب بأكمله، وتعني حالة التعبئة الجزئية وضع أعداد أكبر من الجنود والمعدات على أهبة الاستعداد وربما يمهد ذلك لاستخدام أسلحة نووية في الحرب الأوكرانية.